قال مراقبون: إن "قانون العمل الجديد الذي سيبدأ العمل به أول سبتمبر المقبل؛ وسع سلطة صاحب العمل في فصل العمال تعسفيًا، فبدلًا من تطبيق ما جاء بالدستور".
وأنه على الرغم من إلغاء (استمارة 6) التي كانت عنوانا في الدراما الشعبية، توسع القانون الجديد في فصل العمال وإنهاء خدمتهم بوضع واجبات جديدة على العمال إذا لم يقوموا بها ترتب عليها جزاء الفصل.
واستخدم القانون تعبيرات مطاطة جميعها تصب في صد مصلحة العامل مثل: أن يحافظ العامل على “كرامة العمل” ويتبع “السلوك القويم”، وكل هذه التعبيرات بحسب المراقبين مطاطة وتمنح أصحاب الأعمال صلاحيات كثيرة لفصل العمال، لأنهم لم يحافظوا على كرامة العمل أو لم يتبعوا السلوك القويم.
وبحسب حقوقيين، توسعت مسوّدة القانون في المحظورات التي تبيح الفصل، مثل جمع نقود أو تبرعات أو توزيع منشورات أو جمع توقيعات أو تنظيم اجتماعات.
محمد جبران وزير العمل بحكومة السيسي زعم أن أبرز التحديات التي كانت تواجه العمال قبل 30 يونيو تمثلت في التشريعات القانونية القديمة التي لم تكن تتناسب مع طبيعة المرحلة والتقدم الكبير في حجم المشروعات وتهيئة مناخ آمن ومستقر للاستثمار.
إلا أن قانون العمل الذي وافق عليه السيسي وبرلمانه فتح الباب واسعًا لشركات توريد العمالة، والتي تقاسم العمال في أجورهم، والتي كانت سببًا في ضياع حقوق كثير من العمال فهي تُفرِّق بين العمال في الأجر وساعات العمل، حيث تقوم شركات توريد العمالة بالتعاقد مع العمال على أجور أقل من الأجور التي يتقاضاها العاملين بنفس المهنة وداخل نفس الشركة ولكن تعاقدهم مع الشركة التي يعملون بها نفسها، بالإضافة إلى ذلك تُسهِل هذه الشركات فصل العامل من العمل.
وسمح القانون لهذه الشركات بالعمل بعد الحصول على ترخيص من الوزارة، بعد أن كان ذلك مقتصرًا على الجمعيات والمؤسسات والمنظمات النقابية بإنشاء مكاتب لتشغيل العاطلين بها.
العمالة المؤقتة
واستمرت عقود العمل المؤقتة في مسوّدة قانون السيسي للعمل وبدلًا من العمل الدائم، الذي يشكل عبئًا كبيرًا على عاتق العمال، ويضعهم دومًا تحت سيف الاستغناء عنهم من قبل أصحاب الأعمال واطالة مدة تعيينهم ل 4 سنوات بدلا من سنة في إطار العمل المؤقت .
وحظر القانون الإضراب العمالي والاعتصام العمالي بنفس التعبيرات الفضافضة من أن الحظر هو على ما "يؤدي إلى وقف العمل داخل المنشأة كليا أو جزئيا، وتضييق حقهم في الإضراب عبر النص على صدور قرارات من رئيس مجلس الوزراء بتحديد المنشآت الهامة التي يحظر فيها الإضراب".
وخفض القانون مستحقات العامل المالية عن طريق حسابها على الأجر الأساسي فقط وليس الأجر الشامل (الأساسي + المتغير)، كما لم يتم وضع أي معايير لتحديد الحد الأدنى للأجر، ووضع سلطة تحديده في يد رئيس مجلس الوزراء.
ومنح القانون لوزارة القوى العاملة بحكومة السيسي، هيمنة المُشرِّع للقرارات المنفذة للقانون والمُنفِّذ لها والمُراقِب عليها، وهو ما يعد ظلما للعمال لانحياز وزارة القوى العاملة لأصحاب الأعمال ضد العمال.
وفرض القانون عقوبات هزيلة على أصحاب الأعمال في حال مخالفتهم للقوانين، فهناك أكثر من خمسين مادة وضعت لها عقوبة الغرامة التي لا تقل عن 500 جنيه، بل أن هناك عقوبات ليس لها عقوبة أصلا.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1154932600011909&set=a.492665946238581
مصالح 25 مليون عامل
وتتفاقم أزمات العمال، الذين يشكون بعددهم المقدر ب 25 مليون عامل تجاهل مطالبهم والاهتمام فقط بمصالح رجال الأعمال وإرضائهم على حساب العمال، لأهداف ترضاها سلطة السيسي، من تحصيل رسوم وضرائب منهم ، أو لتغطية حاجيات الحكومة وأهدافها المجتمعية، وتغييب العمال ولجانهم النقابية الحقيقية، عن مشهد مناقشات القانون وكان تمثيلهم بحسب متابعين 10% فقط من الحضور.
ومما اشتكى منه العمال تكريس القانون الجديد لتغول عمل وكالات الاستخدام وتعني ندب شركات التوظيف بتشغيل العمال مقابل تقاضي مبالغ مالية من العمال المؤقتين بالأخص، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بعد التحاقهم بالعمل، حيث يُسمح لها فقط بتقاضي أجرها من صاحب العمل، وذلك للتماشي مع اتفاقية العمل الدولية.
ودعا العمال إلى منع صاحب العمل من تكليف شركة أخرى بتشغيل عماله لأداء أعمال أساسية مرتبطة بنشاط منشأته الأصلية، مع تحديد ألا تتجاوز نسبة العمال المُشغلين من قبل الشركة الأخرى 10% من إجمالي عمال المنشأة الأصلية، وذلك لضمان حماية حقوق العمال ومنع استغلالهم.
ورغم أن مشروع القانون يعلن أنه يهدف إلى دعم العمالة غير المنتظمة وحمايتها، إلا أن الآليات المقترحة غير كافية. فمعضلة تسجيل هذه العمالة ما زالت قائمة، حيث لم يتجاوز عدد المسجلين مليوني عامل، بينما يقدر عدد العاملين في هذا القطاع بـ 13 مليوناً وفقاً لأقل الإحصاءات.
ودع العمال إلى إلزام أصحاب العمل الذين يشغلون عمالة غير منتظمة بإمساك سجلات تُسجل فيها أسماء العمال، ومدة عملهم، وعدد ساعاته، ويبقى تسهيل تكوين منظمات نقابية عاملاً حاسماً في تحسين أوضاع العمالة غير المنتظمة.
مخالفات دستورية وتحديات دولية
وقال أحمد المغربي، نائب رئيس اتحاد تضامن: إن "القانون يحتوي على مواد تُعد مخالفة صريحة للدستور، خصوصًا فيما يتعلق بعمالة الأطفال، والتشريعات الخاصة بتوريد العمالة، وهو ما يتعارض أيضًا مع اتفاقيات العمل الدولية التي لم تصادق عليها مصر حتى الآن".
ودعا "المغربي" إلى ضرورة تفعيل التعاون بين النقابات ومنظمات المجتمع المدني من جهة، والمنظمات الدولية من جهة أخرى، لتقديم شكاوى دورية ومتابعة تنفيذ المعايير الدولية في بيئة العمل المصرية.
وعن المادة 14 من القانون قال صلاح الأنصاري، القيادي العمالي، إن المادة المشار إليها "تقضي بتحويل ثلثي الغرامات المفروضة على العمال إلى الموازنة العامة للدولة، معتبرًا أن هذا النص يمثل نموذجًا لانعدام التوازن والعدالة، إذ يُفترض أن تُوجَّه هذه المبالغ لتحسين ظروف العمل لا لخزينة الدولة.
وأعلن رفضه التام لإلغاء عقوبة الحبس بحق أصحاب الأعمال حتى في حالات التسبب بإصابات أو وفيات، مؤكدًا أن هذه الخطوة تُضعف الردع القانوني، وتشجع على التهاون في إجراءات السلامة المهنية.
العمالة غير المنتظمة خارج الرؤية
وعبر مؤتمر دار الخدمات النقابية والعمالية كشفت منى عزت، رئيسة مؤسسة النون، إن القانون الجديد لم يقدّم معالجة جذرية لأوضاع العمالة غير المنتظمة، التي تشكّل شريحة واسعة من قوة العمل. وأوضحت أن غياب البيانات الرسمية الدقيقة حول هذه الفئة يعوق إدماجها في السياسات الاجتماعية والتأمينية.
ودعت الوزارات المعنية إلى إطلاق مشروع وطني لرصد أوضاع العمالة غير المنتظمة، وتصنيفها جغرافيًا ومهنيًا، تمهيدًا لضمّها تحت مظلة الحماية القانونية، كما طالبت بضرورة الاعتراف القانوني بالعمل المنزلي كقطاع اقتصادي قائم بذاته.
انتهاكات وفصل تعسفي
وقال محمود يوسف، النقابي والعامل في شركة سبأ في بورسعيد، شهادة مؤلمة عن تعرضه وزملائه لانتهاكات متعددة، من بينها عدم صرف المستحقات، وفصل النقابيين، بل ووقائع اختطاف لبعض العمال بعد احتجاجهم، وأخيرا أمر بالفصل يخصه بعد 22 عاما من العمل، بل واعتبار إجازاته فترة للأخطار في مخالفة واضحة للقانون.
وأشار ناشطون إلى استمرار الفصل التعسفي، ومنع التأسيس النقابي، واستغلال عقود التدريب لتفادي الالتزامات القانونية، كما في حالة شركة الشوربجي والتي قدمها النقابي العمالي عادل سيد
وكشف القيادي النقابي هشام البنا المفصول تعسفيًا من شركة وبريات سمنود على خلفية دخول العمال في إضراب عن العمل، كما انه ورغم كونه قيد التحقيق لا يحصل على كامل أجره الأساسي كما ينص القانون، وعزا هشام الأمر إلى هيمنة أرباب العمل وتجاوزهم لأي نص قانوني .