في مشهد يعكس تنسيقا إقليميا ودوليا ضد الحركات الإسلامية المقاومة، تشهد كل من الأردن ومصر،وهى من دول الطوق للكيان الصهيونى حملات ممنهجة تستهدف جماعة الإخوان المسلمين ومؤسساتها الخيرية والاجتماعية، في خطوة يقرأها مراقبون على أنها جزء من استراتيجية إسرائيلية لإضعاف أي بنية عقائدية قد تشكل تهديدا على وجود الكيان الصهيوني حال اندلاع مواجهة كبرى في المنطقة.
ففي الأردن، أعلنت السلطات سلسلة من الإجراءات التصعيدية، تمثلت في إحالة جمعيات وشركات إلى النائب العام بدعوى كونها “واجهات مالية” للجماعة المحظورة، وصولا إلى مصادرة أموالها المنقولة وغير المنقولة، وإغلاق مقراتها، وتجريم الانتماء لها أو الترويج لأفكارها تحت طائلة المساءلة القانونية. هذه الإجراءات تأتي بعد اعتقال قيادات بارزة في الجماعة، أبرزهم أحمد الزرقان نائب المراقب العام، والشيخ إبراهيم اليماني عضو مجلس شورى الإخوان.
وفي القاهرة، يواصل نظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي سياساته القمعية تجاه كل ما يمت للحركات الإسلامية بصلة، بعد أن صنف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، وزج بعشرات الآلاف من أعضائها وأنصارها في السجون، ووسع الاستهداف ليشمل الجمعيات الخيرية التابعة لها.
موشيه ديان والإخوان: “الخطر الحقيقي”
التحركات المتزامنة في القاهرة وعمّان تعيد إلى الأذهان مقولة وزير الدفاع ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق موشيه ديان، حين قال:
“لا أخشى العرب مجتمعين، لكني أخشى الإخوان لأنهم يقاتلون بعقيدة إسلامية”.
تصريحات ديان تعكس فهما إسرائيليا مبكرا لطبيعة التهديد الذي تمثله الحركات الإسلامية العقائدية على المشروع الصهيوني، بخلاف الأنظمة العربية التي أثبتت عقود من التنسيق الأمني والسياسي معها أنها غير معنية بمواجهة إسرائيل، بل تحولت إلى أدوات لضرب قوى المقاومة في الداخل والخارج.
ضغوط إقليمية ودولية لتصفية “الإسلام السياسي”
التحليل السياسي يشير إلى أن تصعيد عمان ليس قرارا محليا صرفا، بل جاء نتيجة ضغوط خليجية وأمريكية، بحسب ما أكد المحامي عبدالقادر الخطيب، نائب رئيس لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي قال إن "هنالك قرارا سياسيا بتصفية الحركة الإسلامية لأنها تقود الشارع في الأردن وبلدان أخرى".
ويرى الخطيب أن الدولة تعرف جيدا أن الجمعيات المستهدفة كانت تقدم مساعدات للفقراء والمحتاجين وحتى لغزة بشكل رسمي عن طريق الهيئة الخيرية الهاشمية، مشددا على أنه لا مبرر قانونيا لحلها سوى الرغبة في تفكيك بنية اجتماعية واقتصادية للجماعة.
نحو فراغ سياسي لصالح تل أبيب
اللافت أن هذه الإجراءات تأتي في وقت حساس إقليميا، مع اتساع العدوان الإسرائيلي على غزة، وتزايد المخاوف لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب من إمكانية انتقال شرارة المقاومة إلى الداخل الأردني أو المصري، ما يدفع إلى تسريع خطوات اجتثاث أي بنية إسلامية عقائدية يمكن أن تكون رافعة شعبية لأي تحرك مناهض لإسرائيل.
في هذا السياق، يمكن قراءة تصريحات عضو مجلس الأعيان الأردني عمر عياصرة، الذي طالب حزب جبهة العمل الإسلامي بقطع صلته بالإخوان وحماس والتنظيم الدولي، باعتبارها إملاءات سياسية لضمان استمرار الحزب تحت مظلة النظام دون أي أجندة “غير مقبولة” من الحلفاء الإقليميين والدوليين.
السيسي والملك عبد الله في مربع واحد
ليس خافيا أن التنسيق المصري الأردني يتجاوز القضايا الثنائية إلى الملفات الأمنية الإقليمية، وهو ما يفسر وحدة الخطاب والإجراءات ضد الإخوان، الذين يشكلون، بحسب رؤية إسرائيلية وأمريكية مشتركة، التحدي الأبرز لأنظمة ما بعد “الربيع العربي”.
في مصر، نفذ السيسي أكبر حملة اجتثاث للجماعة في تاريخها، فيما يسير الأردن على الطريق ذاته بخطوات محسوبة، خشية من ارتدادات شعبية لكنها مدفوعة بضمانات دولية وخليجية لدعم النظام اقتصاديا وسياسيا مقابل “تقليم أظافر” الحركة الإسلامية.
إلى أين يتجه المشهد؟
مراقبون يحذرون من أن سياسة “الأرض المحروقة” تجاه الحركات الإسلامية ستفتح الباب أمام تيارات أكثر تشددا، كما حدث في تجارب أخرى بالمنطقة، معتبرين أن محاولة استرضاء إسرائيل والغرب عبر هذه السياسات قد تأتي بنتائج عكسية على المدى البعيد.
في المقابل، ترى النخب الحاكمة أن “التعامل الأمني الصارم” هو الخيار الوحيد لمنع أي سيناريو يشبه ما حدث في غزة أو الضفة الغربية، حيث أثبتت الحركات الإسلامية قدرتها على الصمود رغم كل محاولات الاستئصال.