تضارب الموقف المصري في السودان.. بين متطلبات الأمن القومي و إملاءات أبوظبي

- ‎فيتقارير

تشهد السياسة المصرية تجاه السودان حالة ارتباك واضحة، تعكس في جانب منها خضوع  المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لحسابات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ما جعل القاهرة تتأرجح بين أولوياتها الأمنية التقليدية ورغبة الإمارات في صياغة مستقبل السودان على نحو يخدم نفوذها الإقليمي.

الخلاف بين القاهرة وأبوظبي برز بوضوح داخل أعمال "اللجنة الرباعية" المعنية بالأزمة السودانية (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر)، بعدما أُرجئ اجتماعها أواخر يوليو الماضي بسبب اعتراض مصر على تعديل إماراتي لمسودة البيان الختامي، ينص على استبعاد الجيش وقوات الدعم السريع من أي عملية انتقالية مقبلة. القاهرة اعتبرت ذلك تهديداً مباشراً لتوازن القوى في الخرطوم، ومساساً بدورها التقليدي كـ"راعية للدولة السودانية".

أربعة محاور تتحكم في تحركات القاهرة

تتحرك مصر وفق أربعة محاور أساسية:

الأمن الحدودي والردع الوقائي: تعزيز الجاهزية العسكرية في المثلث الحدودي مع ليبيا والسودان، والتنسيق مع القبائل المحلية لاحتواء أي تسلل أو فوضى مسلحة.

الدبلوماسية الثنائية

 تكثيف الاتصالات مع الحكومة السودانية في بورتسودان، كما ظهر في استقبال رئيس الوزراء كامل إدريس بالقاهرة، سعياً لترسيخ صورة مصر كحاضنة للشرعية السودانية.

المسار المتعدد الأطراف

رغم تعثر الرباعية، تواصل القاهرة التنسيق مع الرياض وواشنطن لربط ملف السودان بأمن القرن الأفريقي ومنع تمدد الصراع إلى ليبيا وتشاد.

البعد الإنساني–السياسي

: السعي لفتح الممرات الإنسانية ووقف المجازر في دارفور، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع "شرعنة الأمر الواقع" لصالح قوات الدعم السريع.

نفوذ أبوظبي… عقدة الموقف المصري

لكن هذه المحاور تصطدم برغبة أبوظبي في إعادة تشكيل المشهد السوداني بما يتجاوز بقاء الجيش في السلطة، ما يضع السيسي في موقف حرج بين حماية حدوده الجنوبية وبين عدم إغضاب حليفه المالي والسياسي الأبرز في الخليج. هذا التناقض أضعف قدرة الرباعية على ممارسة ضغط موحد على الأطراف السودانية، وأبقى النزاع مفتوحاً على احتمالات التصعيد.

الخرطوم بين القاهرة وأبوظبي

زيارات المسئولين السودانيين للقاهرة، وعلى رأسها زيارة إدريس، تُظهر إدراك الخرطوم لأهمية مصر في إعادة الإعمار وفتح المعابر وعودة اللاجئين. لكن الواقع على الأرض يشي بأن القرار المصري ليس مستقلاً بالكامل، وأن خيوط اللعبة لا تزال تمتد إلى أبوظبي، التي تمسك بأوراق التمويل والتسليح وتحاول إعادة رسم خريطة النفوذ في السودان على طريقتها.

هذا يجعل الموقف المصري اليوم رهينة معادلة صعبة: حماية الأمن القومي جنوباً، مع تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع محمد بن زايد، ما يترك السودان ساحة مفتوحة لتجاذبات الإقليم وتصفية الحسابات بين الحلفاء المفترضين.