بعد حجب 600 منصة صحفية .. .تقنين أوضاع 20 موقعاً ذو طابع تجاري بمعايير رقابية سياسية وإنتقائية

- ‎فيتقارير

 

في خطوة تكشف طبيعة المشهد الإعلامي في زمن المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي، أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الثلاثاء، منح تراخيص وتقنين أوضاع 20 موقعاً وتطبيقاً إلكترونياً، أغلبها ذو طابع اقتصادي أو تجاري أو خدمي، مثل تطبيقات بيع وشراء، ومنصات تسويق، ومواقع متخصصة في السينما أو البترول أو التمويل. القرار جاء وفق المجلس استناداً لقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، واعتُبر – رسمياً – جزءاً من “جهود تقنين أوضاع الكيانات الإعلامية وتعزيز الانضباط المهني”.

 

لكن خلف هذه اللغة القانونية، يكمن واقع مختلف تؤكده أبحاث وتقارير حقوقية، منها دراسة حديثة بعنوان "السلطة والرقابة في الفضاء الرقمي" صدرت في 4 أغسطس/آب الجاري، خلصت إلى أن نظام الترخيص الذي يديره المجلس الأعلى للإعلام تحول إلى أداة رقابة سياسية وانتقائية، تُستخدم لتصفية المشهد الإعلامي من الأصوات المستقلة أو الناقدة.

 

الدراسة أوضحت أن المعايير المنصوص عليها في القانون ولائحته التنفيذية “فضفاضة” و”قابلة للتأويل”، بما يمنح المجلس سلطة تقديرية شبه مطلقة، خصوصاً مع بنود مثل “عدم تعارض النشاط مع مقتضيات الأمن القومي” التي يمكن توظيفها لرفض أي طلب. كما رصدت حالات لمواقع استوفت الشروط القانونية والمهنية، لكنها حُرمت من الترخيص بسبب خطها التحريري أو تغطياتها الناقدة، في مقابل منح تراخيص لكيانات لا تمارس نشاطاً صحافياً بالمعنى المهني، بل نشاطات تجارية أو ترفيهية.

 

الأمر اللافت أن القائمة الأخيرة تضمنت تطبيقات خدمية وتجارية بحتة – مثل “إنستاشوب” أو “بازوكا آند شوكليت” – وهو ما اعتبره باحثون “خلطاً متعمداً” بين الصحافة كخدمة عامة وبين النشاط التجاري، بما يوسع من دائرة سيطرة المجلس على الفضاء الرقمي خارج نطاق الإعلام نفسه.

 

في المقابل، يظل مئات المواقع الإخبارية المستقلة أو المعارضة محجوبة داخل مصر منذ سنوات، ويقدَّر عددها – بحسب تقارير منظمات حرية الصحافة – بما يزيد عن 600 موقع، بينها منصات مصرية وعربية ودولية.

 هذه المواقع، حتى إن حاولت تقنين أوضاعها، تصطدم برفض إداري أو بتعطيل متعمد لملفاتها، ما يبقيها خارج المشهد القانوني ويجعلها عرضة للحجب أو الملاحقة.

 

هذا النهج، وفق محللين، يعيد تشكيل المشهد الإعلامي الرقمي ليقتصر على منصات تتبنى خطاباً متسقاً مع الدولة أو على الأقل تتجنب الملفات الحساسة، بينما يُقصى الفاعلون الصحافيون الجادون من المجال العام. وهو ما يتناقض تماماً مع تصريحات السيسي التي يكرر فيها السماح بـ“انتقاد الوزراء والمحافظين” فقط، في إطار ضيق ومراقَب، مع تجنب أي مساس بالبنية السياسية أو الاقتصادية للنظام.

 

النتيجة، كما يصفها ناشطون على مواقع التواصل، أن “حرية الصحافة في مصر اليوم ليست مرهونة بالقانون، بل برضا السلطة”، وأن نظام الترخيص لم يعد سوى غطاء قانوني لهيمنة سياسية على الفضاء الإعلامي، تترك للمواقع التجارية والاقتصادية هامشاً واسعاً، بينما تخنق الصحافة الجادة عند المنبع.