في قراءة تحليليلة لصفقة الغاز بين مصر والكيان الصهيوني .. "قراءة في التوقيت والدلالات" بحسب المعهد المصري للدراسات فإن الصفقة تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ صادرات الغاز "الإسرائيلي" وأن "حجم الصفقة وتوقيتها؛ يشيران إلى أنها وُقِّعت بينما تقصف إسرائيل غزة بشراسة، وتُحاصر القطاع في جريمة مكتملة الأركان.".
وأضاف المعهد أن الغاز المصري "يُستخدم كورقة سياسية من جانب الكيان الصهيوني لتهدئة أزماته الاقتصادية ، خاصة لعدم إمكانية تصدير الغاز لأي جهة أخرى بدون إسالة سوى إلى مصر، لعوامل جغرافية بحتة" موضحا أن "مصر لم تستخدم هذه الورقة المهمة لصالح أهل غزة أو كشرط لإدخال المساعدات أو وقف التهجير".
واشار إلى أن "هذا يعني أن النظام المصري اختار أن يدعم اقتصاد العدو ويطبع واقعيًا عبر الغاز، في لحظة كان يجب فيها أن يستخدم هذا الملف، على الأقل، كورقة ضغط لصالح الأمن القومي المصري والفلسطيني.".
الأبعاد الاستراتيجية
وعن ثلاثة أبعاد رئيسية ابان أن هذه الابعاد الاستراتيجية هي:
إضعاف الورقة المصرية:
وقال إن "الغاز "الإسرائيلي" يمر بمصر، ويُسيّل في منشآتها، ما يعني امتلاك مصر ورقة تحكم كبيرة." وأن هناك "تجاهل استخدام هذه الورقة في التفاوض مع إسرائيل يمثّل تنازلًا خطيرًا عن أحد أهم أوراق القوة المصرية.".
إطالة عمر إسرائيل في قلب الصراع:
وعن البعد الثاني، أبان أن "هذه الصفقة تُعيد تأهيل "إسرائيل" اقتصاديًا بعد شهور من الأزمات الداخلية وقطع صادرات الغاز كما تقدم لـ"إسرائيل" متنفسًا ماليًا واستراتيجيًا يمكن أن يُترجم إلى مزيد من السلاح والدمار لغزة.
الربط الاستراتيجي مع العدو:
وقالت إنه "بدلًا من تقليص الاعتماد على الكيان المحتل، يتم التوسّع في العلاقات معه وترتبط مصر في الحصول على هذه الكميات الضخمة به، بما يربطها بشكل استراتيجي معه، وهو ما يتعارض بالمطلق مع مقتضيات الأمن القومي المصري".
خلاصة القراءة
وخلص المعهد المصري في قراءته إلى أن "الصفقة ليست مجرد اتفاق تجاري، بل هي تموضع استراتيجي كارثي. ما يجري هو تطبيع مغلف تحت شعار “المنفعة الاقتصادية”، لكنه في جوهره دعم مباشر لكيان محتل يمارس الإبادة بحق شعب شقيق ويسعى إلى تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو عبر مصر وتصفية القضية الفلسطينية.".
وأضاف أنه "في لحظة تتعرض فيها غزة لمذبحة، يجب أن تكون كل مقدرات مصر أوراق ضغط لا أدوات دعم. الكيان الصهيوني لا يحتاج فقط إلى السلاح، بل إلى الشرعية، والمال، والطاقة — وكل هذا يوفره له نظام السيسي عبر مثل هذه الصفقات.".
أوراق يمكن الضغط بها
وقال إن السيسي يمتلك "العديد من الأوراق للضغط على الكيان الصهيوني لكي يوقف حرب الإبادة في غزة لإفشال مخطط التهجير الذي سيكون له تبعات خطيرة على الأمن القومي المصري، ومن تلك الأوراق ملف الغاز، العبور من قناة السويس، تعليق كامب ديفيد، الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، وقف التبادل التجاري، ملف الأسمنت، طلب رقابة دولية على دخول الشاحنات، وقطع العلاقات الدبلوماسية. لكن نظام السيسي لم يستخدم أياً منها".
وأبانت أنه "بدلًا من توظيف ورقة الغاز للضغط على العدو من أجل إدخال المساعدات إلى غزة، ووقف الحرب، وإفشال مخطط التهجير، يُقدِم نظام السيسي على إبرام صفقة تُعدّ الأكبر في تاريخ الكيان لتصدير الغاز، في مشهد يكشف حجم الانفصام بين أولويات النظام وواجباته القومية والإنسانية، فضلا عن وضع مصر تحت رحمة الكيان فيما يتعلق بالاعتماد عليه في الحصول على هذه الكميات الضخمة من الغاز".
بيانات خاصة بالغاز
ووقّع حقل الغاز الطبيعي “ليفاياثان” التابع للكيان، الواقع قبالة الساحل المتوسطي، أكبر اتفاق تصدير في تاريخ البلاد، بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، لتوريد الغاز إلى مصر، بحسب ما أعلنت شركة نيو ميد إنرجي، إحدى الشركاء في الحقل، يوم الخميس 07 أغسطس 2025.
ويمتلك الحقل احتياطات تُقدّر بحوالي 600 مليار متر مكعب من الغاز، وسيقوم ببيع نحو 130 مليار متر مكعب إلى مصر حتى عام 2040، أو حتى يتم استيفاء كامل الكميات المتعاقد عليها.
وكان حقل “ليفاياثان” قد بدأ بالفعل في تصدير الغاز إلى مصر بعد وقت قصير من بدء الإنتاج عام 2020، عقب توقيع اتفاق أولي في 2019 لتوريد 60 مليار متر مكعب – بمعدل 4.5 مليار متر مكعب سنويًا – ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من تسليم هذه الكمية بحلول أوائل ثلاثينيات هذا القرن.
وذكرت شركة “نيو ميد” أن الحقل قد صدّر بالفعل 23.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر منذ عام 2020.
وقال يوسف (يوسي) أبو سعيد .. الرئيس التنفيذي لشركة نيو ميد: “هذا هو أهم اتفاق تصدير من الناحية الاستراتيجية على الإطلاق في شرق البحر المتوسط، ويعزز مكانة مصر كأهم مركز للطاقة في المنطقة.”
وأضاف: “هذا الاتفاق، الذي أصبح ممكنًا بفضل شراكاتنا الإقليمية القوية، سيفتح الباب أمام فرص تصدير إقليمية إضافية، مما يثبت مرة أخرى أن الغاز الطبيعي وقطاع الطاقة الأوسع يمكن أن يكونا ركيزة للتعاون.”
جدير بالذكر أن مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، عانت خلال العامين الماضيين من انقطاعات متكررة في الكهرباء، في وقت تواجه فيه الحكومة ضغوطًا مالية وتراجعًا في إمدادات الغاز الطبيعي مقارنة بالطلب المحلي.
وقد تخلّت مصر عن خططها السابقة بأن تصبح مركزًا لتوريد الغاز إلى أوروبا، وأصبحت بدلاً من ذلك مستوردًا صافيًا للغاز، حيث وقّعت خلال الأشهر الماضية عدة اتفاقيات مع شركات طاقة ومؤسسات تجارية لشراء ما بين 150 إلى 160 شحنة من الغاز الطبيعي المسال.
من جانبه قال وزير الطاقة إيلي كوهين “ إن صفقة الغاز مع مصر تعد خبرًا مهمًا من الناحيتين الأمنية والسياسية بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي“. وأضاف أن “صفقة الغاز مع مصر ترسخ مكانتنا كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة يعتمد عليها جيرانها ويحتاجون إليها”.