في مفارقة فاضحة تكشف التناقض بين الخطاب السياسي والممارسة الفعلية، قفزت صادرات الإسمنت المصري إلى إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة منذ اندلاع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة في 7أكتوبر/تشرين الأول 2023، في الوقت الذي يفرض فيه نظام عبد الفتاح السيسي حصارًا خانقًا على القطاع ويهدم أنفاقه التجارية والإنسانية.
"إسمنت على دماء غزة"..
ففي الوقت الذي يفرض فيه نظام المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي حصارًا خانقًا على غزة، ويغلق المعابر ويهدم الأنفاق التي كانت شريان حياة لسكان القطاع المحاصر، شهدت صادرات الإسمنت المصري إلى إسرائيل قفزة غير مسبوقة، لتتحول القاهرة إلى أحد أكبر موردي مواد البناء لدولة الاحتلال خلال حرب الإبادة الجارية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
قفزة بـ29 ضعفًا في القيمة.. و45 مرة في الكميات
بيانات رسمية من مصر وإسرائيل أظهرت أن كميات الإسمنت المصري المصدّرة إلى إسرائيل ارتفعت من 52.3 ألف طن فقط عام 2022إلى 2.4 مليون طن في 2024، بزيادة تفوق 45 مرة خلال عامين. أما القيمة، فقفزت من 4.9 ملايين دولار إلى 142 مليون دولار، أي ما يقارب 29 ضعفًا.
اللافت أن هذه الطفرة لم تكن استجابة لشحنة طارئة، بل مسار توسع مستمر، حيث حافظت صادرات النصف الثاني من 2024 على مستويات شهرية عالية، تجاوزت في بعض الأشهر 24 مليون دولار، مع ذروة في ديسمبر بلغت نحو 17% من إجمالي العام.
مصر تملأ فراغ تركيا.. وتكسر المقاطعة
هذا الصعود جاء بالتوازي مع قرارات تركيا في أبريل ومايو 2024 بوقف تصدير الإسمنت والسلع الأخرى إلى إسرائيل احتجاجًا على العدوان على غزة. فبعد أن كانت أنقرة المورد الأول للإسمنت لإسرائيل (يمثل 45% من وارداتها)، وجدت تل أبيب في مصر البديل الاستراتيجي، لتقفز من المركز 35 في قائمة وجهات الإسمنت المصري عام 2022 إلى المركز الرابع في 2024.
أسعار مخفضة لتخفيف الضغط على السوق الإسرائيلي
المفارقة الأكبر أن طن الإسمنت المصري يُباع لإسرائيل بسعر أقل مما قبل الحرب، إذ تراجع متوسط السعر من 93.6 دولار في2022 إلى 59.8 دولار في 2024، ما ساعد على حماية السوق الإسرائيلي من أي صدمة سعرية بعد الحرب، بينما شهد السوق المصري المحلي ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار بنسبة تجاوزت 25% خلال الفترة نفسها.
الجيش.. اللاعب الأكبر في سوق الإسمنت
يمتلك الجيش المصري حصة مؤثرة في صناعة الإسمنت، خصوصًا مع دخول مصنع العريش في بني سويف منذ 2018 بطاقة ضخمة، ما ساهم في فائض الإنتاج. ومع غياب الطلب المحلي القوي، بدا أن تصدير الفائض لإسرائيل، حتى خلال الحرب على غزة، كان خيارًا مفضلاً للنظام لضمان تدفق العملة الصعبة، بغض النظر عن البعد الأخلاقي أو السياسي.
خيانة استراتيجية أم براغماتية اقتصادية؟
تثير هذه الأرقام تساؤلات حادة حول أولويات نظام السيسي، الذي يقدم نفسه كداعم للقضية الفلسطينية بينما يمد الاحتلال بأحد أهم مدخلات إعادة الإعمار، في ذروة حرب إبادة. فهل هي براغماتية اقتصادية مبررة بحسابات السوق، أم خيانة استراتيجية تكشف تناقض الخطاب الرسمي مع الممارسة الفعلية؟