دخل اليوم، الأول من سبتمبر، قانون العمل الجديد حيّز التنفيذ وسط جدل واسع حول انعكاساته على ملايين العمال في مصر. ورغم أن الحكومة تروج للقانون باعتباره "خطوة إصلاحية لتنظيم سوق العمل"، إلا أن بنوده تثير مخاوف حقيقية بشأن مستقبل العمالة وحقوقها، حيث يرى كثير من الخبراء أنه جاء منحازًا لرجال الأعمال على حساب العامل البسيط.
تقويض الحقوق الاجتماعية
من أبرز الانتقادات الموجهة للقانون أنه يحرم فئات واسعة من العمال من حقوق طالما اعتبرت مكتسبات تاريخية، وعلى رأسها الحق في الحصول على المعاشات في العديد من الحالات. فالقانون الجديد يشدد الشروط الخاصة باستحقاق معاشات نهاية الخدمة أو التعويضات في حالات الفصل أو إنهاء العقود، ما يضع آلاف العمال في مهب الضياع مع غياب أي مظلة حماية اجتماعية حقيقية.
تسهيل الفصل بدعوى "المخدرات"
الأكثر إثارة للجدل هو ما يتضمنه القانون من صلاحيات واسعة لأصحاب العمل في فصل العمال بدعوى "تعاطي المخدرات" أو "الإخلال بقواعد الانضباط". ورغم خطورة هذه الاتهامات، إلا أن القانون لم يضع آليات شفافة للتحقق أو ضمانات لحماية العامل من الفصل التعسفي، ما يفتح الباب أمام استغلالها كذريعة لتصفية العمالة غير المرغوبة أو الناشطة نقابياً.
خدمة لأصحاب الأعمال
بينما تعاني الطبقة العاملة من تضييق الخناق على حقوقها، يفتح القانون في المقابل الباب أمام امتيازات متزايدة لأصحاب الأعمال، إذ يوسع من سلطاتهم في إدارة شؤون العمالة، ويضعف أدوات الرقابة النقابية، الأمر الذي يمنح الشركات والمستثمرين اليد الطولى في تحديد مصير العامل دون مساءلة حقيقية.
من قوانين الحماية إلى قوانين الإقصاء
قانون العمل 12 لسنة 2003
كان القانون رقم 12 لسنة 2003 – الذي استمر تطبيقه حتى الأمس – يمثل مرجعًا رئيسيًا للعلاقة بين العامل وصاحب العمل. ورغم أنه لم يكن مثاليًا، إلا أنه احتوى على بعض المواد التي تكفل للعامل حدًا أدنى من الحماية، أبرزها:
ضمانات ضد الفصل التعسفي، حيث كان إنهاء خدمة العامل يتطلب تحقيقًا رسميًا وإثباتًا للخطأ الجسيم.
حق التعويض والمعاش في حالات الفصل أو انتهاء العقد بعد سنوات من الخدمة.
دور النقابات التي وإن كان مقيدًا، لكنها كانت حاضرة كشريك نسبي في تسوية النزاعات.
القانون الجديد.. خطوة للخلف
القانون الذي بدأ تطبيقه اليوم جاء ليمثل تراجعًا إضافيًا، إذ أعطى لأصحاب الأعمال صلاحيات شبه مطلقة في الفصل، وربط كثيرًا من الحقوق بشروط تعجيزية. كما جاء في سياق اقتصادي واجتماعي مأزوم، حيث ترتفع معدلات البطالة ويعاني العمال من تآكل الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يجعلهم في موقع ضعف مضاعف أمام أصحاب الأعمال.
شهادات وانتقادات
أحد الخبراء الاقتصاديين يرى أن "القانون الجديد يرسخ هشاشة العمالة ويجعلها مجرد أداة سهلة الاستبدال، في وقت تتزايد فيه معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وهو ما يضاعف من أزمة الأسر العاملة".
قيادي نقابي سابق أكد أن "القانون يطيح بما تبقى من دور النقابات العمالية، إذ جردها من صلاحياتها الرقابية وأبقى على دورها شكليًا، بينما منح أصحاب الأعمال سلطة شبه مطلقة في تحديد مصير العمال".
عامل من قطاع الغزل والنسيج عبّر عن مخاوفه قائلاً: "اليوم نحن نعمل تحت تهديد دائم، يمكن أن يُتهم أي عامل بالمخدرات أو التقصير ليُفصل في لحظة، بلا معاش ولا تعويض. هذا القانون لا يحمي إلا رجال الأعمال".
منظمة حقوقية محلية وصفت القانون بأنه "انتكاسة كبرى وخرق صريح للمعايير الدولية للعمل"، مؤكدة أنه يفتقر لأي توازن بين أطراف العملية الإنتاجية.
-خسارة المكتسبات السابقة
بينما كان المنتظر أن يأتي القانون الجديد ليبني على ما تحقق في قوانين سابقة ويطورها بما يحقق التوازن بين مصلحة العامل وصاحب العمل، جاء نصه ليُضعف ما تبقى من مكتسبات، ويكرس منطق "العمال تحت رحمة رجال الأعمال". وبذلك، فإن الأول من سبتمبر يسجل بداية عهد جديد من القوانين التي تحمل اسم "العمل"، لكنها في الواقع تنحاز ضد العامل وتكرس لمنطق السوق المنفلت من أي عدالة اجتماعية.