بعد أكثر من عقد من الفشل المتواصل في إدارة أخطر ملف يهدد بقاء مصر، يحاول نظام المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي التغطية على جريمته الكبرى في التفريط بمياه النيل، عبر اجتماعات بروتوكولية لا تقدّم ولا تؤخر. فاليوم الأربعاء، يستضيف وزيرا الخارجية والري بحكومة الانقلاب بدر عبد العاطي وهاني سويلم، نظيريهما السودانيين عمر صديق وعصمت قرشي، للحديث عن سد النهضة الذي اكتمل بناؤه عملياً بفضل توقيع السيسي على "اتفاقية المبادئ" عام 2015، والتي أعطت لإثيوبيا الغطاء القانوني لبناء السد وحجز مياه النيل.
المفارقة أن هذه الاجتماعات تأتي بالتزامن مع الافتتاح الرسمي لسد النهضة خلال هذا الأسبوع، بينما تكتفي القاهرة بخطاب "الحقوق التاريخية" و"ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم"، بعد أن فقدت القدرة على الفعل، وتركت مصير 110 ملايين مصري رهينة لإرادة أديس أبابا.
عقد من التنازلات والخيبة
منذ أن أعلن عن مشروع السد، تنقل النظام المصري بين مسارات تفاوضية عبثية امتدت 13 عاماً. في كل مرة، كانت إثيوبيا تمضي قدماً في البناء والتخزين، بينما تكتفي القاهرة ببيانات دبلوماسية وتصريحات استعراضية. أبرز المحطات السوداء في هذا الملف يمكن تلخيصها في:
توقيع اتفاق المبادئ (2015): أكبر هدية من السيسي لإثيوبيا، إذ منحها شرعية لم تكن لتحلم بها، وأضعف موقف مصر التاريخي في الدفاع عن حقوقها المائية.
تجاهل المسار الفني: إذ قبلت القاهرة تقارير استشارية شكلية، بينما تجاهلت التحذيرات بشأن مخاطر الأمان والتأثيرات على حصة مصر.
التفريط في أوراق الضغط: بعد أن تحول الجيش إلى إمبراطورية اقتصادية، تراجع دوره في حماية الأمن القومي، وفضّل النظام صفقات البيزنس على حماية شريان الحياة.
فشل المفاوضات المتكرر: آخرها في ديسمبر 2023، حيث أعلنت القاهرة رسمياً إغلاق المسار التفاوضي بعد أن فقدت كل أدوات القوة.
"استعراض" بلا قيمة
في تصريحاته الأخيرة، يحاول بدر عبد العاطي رفع الصوت قائلاً: "المياه قضية وجودية"، و"لن نرهن مصالح المصريين لوعود إثيوبيا"، لكن هذه التصريحات لا تعدو كونها استعراضاً سياسياً بعد أن أصبح السد أمراً واقعاً. بل إن ردّه على دعوة إثيوبيا لمصر والسودان لحضور افتتاح السد بوصفها "عبثاً" يكشف بوضوح حجم الهزيمة والانكسار.
خيانة مكتملة الأركان
اليوم، لم يعد هناك مجال للمراوغة: السيسي ونظامه تخلوا عن النيل، ووقعوا بأيديهم شهادة العجز. من "اتفاق المبادئ" حتى لحظة افتتاح السد، كان النظام العسكري منشغلاً بتشييد القصور، وإدارة البيزنس، وبيع أصول الدولة، بينما حُرم المصريون من أعز ما يملكون: حقهم التاريخي في النيل.