التبرع بالدم يتحول إلى تجارة بزمن الانقلاب: مافيا المستشفيات تستغل الفقراء

- ‎فيتقارير

 

الدم فى زمن الانقلاب لم يعد عملاً إنسانياً أو خدمة علاجية، بل تحول إلى سلعة تباع وتشترى داخل أروقة المستشفيات وأمام بوابات الطوارئ. هناك يتربص السماسرة بالفقراء، محولين دم الإنسان إلى تجارة سوداء لا تعرف الرحمة.

رغم أن الدم هو الأمل الوحيد الذى يبقى المريض على قيد الحياة، إلا أن الواقع المرير يجبر الفقير على بيع دمه بثمن زهيد لا يتجاوز بضع مئات من الجنيهات، ليجد هذا الدم لاحقاً طريقه إلى جيوب السماسرة الذين يعرضونه بأضعاف مضاعفة.

هذه الجريمة ليست فردية، بل تقوم على شبكة منظمة تتغلغل داخل المستشفيات، حيث يسهل بعض الموظفين خروج الأكياس مقابل حصص مالية، بينما تغيب الرقابة وتغلق الجهات الرسمية أعينها عن هذا الانتهاك الخطير.

وفى الوقت نفسه، تعانى بنوك الدم من أزمات مزمنة: تكدس فى التخزين، نقص التجهيزات الحديثة، وضعف البنية التحتية، ما يضاعف معاناة المرضى الذين يعتمدون على هذه الخدمة الحيوية.

رحلة البحث عن دم

يقول حامد إبراهيم، شقيق أحد المصابين فى حادث سير:

«ذهبت إلى مستشفى الدمرداش للبحث عن ثلاثة أكياس دم لشقيقى الذى نزف بشدة بعد الحادث. تنقلت بين أكثر من بنك دم، لكن الأبواب كانت مغلقة إلا بشرطين: إما تقديم ضعف الكمية المطلوبة، أو وجود وساطة كبيرة تسهّل الأمر. ورغم الحملات اليومية للتبرع أمام المترو، لم أجد استجابة حين تعلق الأمر بشقيقى».

ويضيف:

«المريض يضطر إما لإيجاد واسطة أو متبرعين بأسمائه، أما البسطاء فلا صوت لهم. كثيرون يموتون قبل أن تصلهم المساعدة. الدم الذى يفترض أن يكون متوافراً مجاناً أو بأسعار رمزية، تحول إلى سلعة نادرة ومكلفة، بسبب السمسرة والفوضى وسوء الإدارة».

وتساءل بحسرة:

«أين المسئولية؟ ولماذا لا توفر الدولة الدم للمرضى دون تعقيدات؟ دم شقيقى وأرواح الآلاف ليست للبيع».

تخزين غير لائق

موظف فى بنك الدم بمستشفى قصر العينى، طلب عدم ذكر اسمه، كشف عن أوضاع التخزين قائلاً:

«بعد السحب، توضع الأكياس فى ثلاجات صغيرة شبيهة بثلاجات الرحلات، تُجرّ على الأرض بسبب ثقلها، ثم تُرفع إلى غرف التبريد. تُكتب الفصائل والتواريخ، لكن بسبب التكدس، يبدو التخزين أحياناً غير لائق».

وأكد الموظف أن البنك يعانى نقصاً حاداً فى البنية التحتية، قائلاً:

«الوضع الحالى لا يصلح لحفظ دم المواطنين بأمان تام. نحتاج تطويراً شاملاً لأن صحة المرضى تستحق بيئة أفضل».

ضوابط علمية

من جانبه، شدد د. أحمد م.، استشارى خدمات نقل الدم، على أن التخزين عملية دقيقة تخضع لمعايير صارمة:

  • حفظ كريات الدم الحمراء بين 2 و6 درجات مئوية.

  • تجميد البلازما عند -18 درجة أو أقل.

  • تحريك الصفائح الدموية باستمرار فى درجة حرارة الغرفة.

وأضاف:

«مدة صلاحية الدم الكامل لا تتجاوز 42 يوماً، والصفائح 5 أيام فقط. أى إخلال بالحرارة أو تكديس غير منظم يهدد صلاحية الدم وسلامة المريض».

واختتم قائلاً:

«هذه الضوابط ليست رفاهية، بل مسألة حياة أو موت».