مع اقتراب موعد انتخابات مجلس نواب السيسي فى شهر نوفمبر المقبل كشفت استطلاعات رأى أن 64.8% من المواطنين أكدوا أنهم لن يشاركوا فى هذه الهزلية، مقابل 15.6% فقط أعلنوا نيتهم التصويت، فيما أعرب 19.6% عن ترددهم بين المشاركة والمقاطعة .
وأكدت استطلاعات الرأى أن ما يقارب من ثلثي المشاركين عبّروا عن رفض صريح للمشاركة، متوقعة أن تصل نسبة العزوف عن التصويت إلى 84.4%.
وأشارت نتائج الاستطلاعات إلى أن 18.2% من المشاركين سبق أن تعرضوا لضغوط أو إكراه للتصويت، تنوعت بين التهديد بالغرامات المالية ، والضغوط الأمنية، وتقديم الرشاوى الانتخابية، إضافة إلى الحشد القسري للطلبة والموظفين.
يشار إلى أن الأرقام الرسمية كانت قد اعترفت بأن نسبة المشاركة فى انتخابات مجلس شيوخ السيسي الأخيرة فى أغسطس الماضي لم تتجاوز 17.1% من إجمالي الناخبين المسجلين، أي نحو 11.8 مليون ناخب من أصل أكثر من 69 مليونًا ورغم إعلان أن نسبة الأصوات الصحيحة بلغت 95.6% من نسب التصويت، أكد مراقبون وسياسيون أن الأرقام الرسمية مبالغ فيها، وأن المشاركة الفعلية لم تتجاوز 4% فقط، رغم انتشار المال السياسي وحشد أعداد من الطلاب والموظفين للمشاركة في التصويت عنوة.
حالة غضب
فى هذا السياق أكد طلعت خليل، -المنسق العام للحركة المدنية أن الشارع المصري يعيش حالة غضب شديد من أداء برلمان السيسي السابق، نتيجة لطبيعة تكوينه عبر نظام القائمة المطلقة المغلقة، الذي يفتح الباب أمام تعيينات قائمة على دفع الأموال، ويأتي بمرشحين بعيدين عن العمل السياسي وعن الشارع. موضحًا أن هذه الطريقة جعلت المواطنين لا يكتفون بالعزوف عن المشاركة في الانتخابات، بل يشعرون أيضًا بالاستياء من مجمل العملية، كما ظهر في ضعف الإقبال على انتخابات مجلس شيوخ السيسي الأخيرة.
وقال خليل فى تصريحات صحفية إن ما يسمى بالحوار الوطني شدّد على ضرورة تغيير النظام الانتخابي، غير أن دولة العسكر لم تأخذ بالنظام النسبي أو بالنظام الفردي بما يرضي الناخبين، لكن الناخبين غير راضين لا عن تكوين البرلمان ولا عن أدائه، إذ جاءت معظم القوانين الحكومية المقدمة خلال الدورة الماضية على حساب المواطن، وكان آخرها قانون الإيجار القديم”، مشيرًا إلى أن الناس في حالة سخط شديد على برلمان السيسي.
فقدان الأمل
وكشف الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني أن القوائم المطلقة وسيطرة أجهزة أمن الانقلاب على القوائم والعملية الانتخابية أعطت المواطنين شعورًا بأن الانتخابات تمثيلية وليست حقيقية، وأن أي تصويت قد يُزوَّر، ما يجعل العزوف عن المشاركة خيارًا أفضل لتجنب التعسف الأمني والتدخل الحكومي.
وأكد الميرغنى فى تصريحات صحفية أن المشكلة الأكبر تكمن في فقدان الأمل في تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي عبر صناديق الاقتراع، ما يدفع الملايين للبحث عن بدائل خارج الإطار القانوني، وهو الخطر الحقيقي الذي يواجه المجتمع.
وأوضح أن تتبّع نتائج الانتخابات منذ عام 2012 وحتى اليوم، يكشف عن تراجع ملحوظ في نسب التصويت، ما يدفع إلى توقع أن تشهد انتخابات 2025 مستويات مشاركة متدنية شبيهة ببرلمان 2010، حين فقد المواطنون ثقتهم في إمكانية التغيير عبر صناديق الاقتراع، وهو ما يمثل خطرًا على مستقبل الإصلاح السياسي في مصر، مشددًا على أن الأزمة لا تقتصر على العملية الانتخابية فحسب، بل تمتد إلى تضييق الخناق على الأحزاب، واحتكار الإعلام والسيطرة عليه، الأمر الذي يعمّق فقدان الملايين للثقة بجدوى المسار الديمقراطي.
وأشار الميرغني إلى معضلة أخرى تتمثل في تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل غير عادل، حيث تعاني المدن الريفية من تكدس انتخابي في مقابل تفاوت واضح بين حجم الدوائر وعدد سكانها. ففي الوقت الذي تُخصص فيه بعض الدوائر نائباً واحداً فقط، تمثل دوائر أخرى بأربعة نواب، وهو ما يعكس اختلالاً واضحاً في العدالة التمثيلية لافتًا إلى أن رفع رسوم الترشح إلى 40 ألف جنيه، حوّل مجلس نواب السيسي من كونه مجلساً للشعب إلى ما يشبه مجلساً للأعيان، مقيداً بذلك فرص المشاركة أمام الفئات الاقتصادية الضعيفة ومحدودي الدخل.
المال دور محوري
وأكدت تيسير فهمي، -رئيسة حزب التنمية والمساواة-، أن انتخابات مجلس شيوخ السيسي الماضية لم تشهد أي مشاركة تُذكر ، حيث كانت نسبة الإقبال ضعيفة للغاية، مشيرة إلى أن الانتخابات البرلمانية لم تعد قضية مرتبطة بالأحزاب بقدر ما أصبحت مرتبطة بالقدرة على الإنفاق والدعاية، والحصول على دعم عائلي أو قبلي في القرى والبلدات.
وقالت تيسير فهمي فى تصريحات صحفية : المال أصبح يلعب دورًا محوريًا في العملية الانتخابية، ومن يمتلك القدرة المالية الأكبر هو الأوفر حظًا للفوز، مما يعني أن برلمان السيسي لم يعد في غالبيته معبرًا عن رجل الشارع العادي.
وأشارت إلى أن الكثير من المرشحين ليست لهم علاقة بالسياسة من الأساس، بل يسعون فقط للحصول على “واجهة برلمانية” مؤكدة أن هناك أسماء لم يكن لها أي مواقف سياسية من قبل ومع ذلك تدفع من أجل الحصول على كرسي فى برلمان السيسي .
وشددت تيسير فهمي على أن بعض الأعضاء في مجلس شيوخ السيسي الحالي لا صلة لهم بالعمل السياسي، ضاربة المثل بصاحب مطعم أصبح عضوًا في المجلس، وتساءلت: ما علاقته بالتشريع؟ هل سيوزع وجبات مجانية على الناس؟.
انعدام الثقة
وكشفت أن هؤلاء استطاعوا بحكم قدراتهم المالية أن ينفقوا على الدعاية ويحشدوا الناخبين بطرق غير مفهومة، قائلة: الظواهر تشير إلى شيء، لكن الواقع يفترض أن يكون شيئًا آخر، لكن عندما نجد شخصًا بعيدًا تمامًا عن السياسة يصبح نائبًا، فهذا أمر غير مفهوم .
وحول اهتمام الشارع بالانتخابات، أكدت تيسير فهمي أن الغالبية ليست على علم بموعد الانتخابات ولا تثق في العملية الانتخابية أو في النواب، موضحة أن المشكلة ليست فقط في عزوف الناس عن السياسة بقدر ما هي في انعدام الثقة في العملية الانتخابية .
وأشارت إلى أن السياسة تدخل في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن: من لقمة العيش، إلى أسعار الوقود، إلى كل ما يعيشه المواطن منذ لحظة استيقاظه مؤكدة أن المواطنين يدركون أن من ينجح فى مثل هذه الانتخابات الهزلية انما ينجح بماله .