أعاد المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب بنظام الانقلاب ، معترضاً على ثماني مواد فقط من أصل 552 مادة، بنسبة لا تتجاوز 1.4%. ورغم ما وصفه البرلمان وحكومة مصطفى مدبولي بأن القانون "تتويج لسنوات من الحوار والدراسات"، إلا أن اعتراض السيسى لم يطاول إلا مساحات هامشية، بينما أبقى على جوهر القانون الذي يثير مخاوف حقوقية واسعة.
لماذا 8 مواد فقط؟
يثير اقتصار التعديلات على هذا العدد المحدود من المواد أسئلة جوهرية حول الهدف الحقيقي من إعادة القانون. فبينما روجت السلطة لفكرة أن الاعتراض الرئاسي يأتي "تعزيزاً للضمانات"، اعتبر مراقبون أن الأمر لا يعدو كونه إجراءً استعراضياً، يهدف إلى:
إظهار حرص النظام على حماية الحقوق والحريات أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد الانتقادات الأخيرة في مجلس حقوق الإنسان.
امتصاص ضغوط داخلية وخارجية دون إجراء تغييرات جوهرية تمسّ صلاحيات السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية.
إلقاء الكرة في ملعب البرلمان لإعطاء انطباع بوجود "توازن دستوري"، بينما يظل القانون في صورته العامة مقيداً للحقوق والحريات.
اعتراضات شكلية لا تمس الجوهر
شملت اعتراضات السيسي قضايا إجرائية مثل توقيت بدء تطبيق القانون، وغياب بعض التعريفات القانونية الدقيقة، أو تضارب في مواد الاستجواب والحبس الاحتياطي. لكنها لم تتعرض للمسائل الأكثر خطورة، مثل:
منح القضاة سلطات واسعة بمصادرة الهواتف والأجهزة الإلكترونية.
شرعنة مراقبة الاتصالات والأنشطة الرقمية بلا قيود واضحة.
تمديد الحبس الاحتياطي سياسياً، بما يجعل النصوص الجديدة غطاءً قانونياً لاستمرار احتجاز المعارضين لسنوات بلا محاكمة.
تعليقات الحقوقيين: "لعبة سياسية"
المنظمات الحقوقية رأت أن اقتصار الاعتراض على 8 مواد فقط رسالة موجهة للغرب أكثر من الداخل.
اعتبرت 12 منظمة حقوقية أن القانون في صورته الحالية "يشرعن المراقبة التعسفية وغير القانونية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمعارضين".
تساءل حقوقيون عن جدوى الاعتراضات إذا كانت المواد الأخطر لم تُمس، مؤكدين أن السيسي "يلعب بالحقوقيين في الداخل والخارج" عبر تقديم تنازلات شكلية لا تغير من الواقع شيئاً.
أشار محامون إلى أن الاكتفاء بمواد إجرائية هامشية يعكس رغبة النظام في إطالة أمد النقاش التشريعي، وكسب الوقت، إلى حين هدوء الضغوط الدولية.
مناورة أم قناعة؟
يبقى السؤال: هل أراد السيسي من إعادة القانون استعراض "حرصه على الحقوق" بينما يرسخ قبضته الأمنية؟ أم أن الأمر مجرد مناورة سياسية لتجميل صورة النظام أمام المجتمع الدولي؟
الجواب، وفق مراقبين، أن جوهر القانون لم يتغير، وأن اقتصار التعديلات على 8 مواد فقط يثبت أن النظام يسعى لتقديم تنازلات شكلية بينما يصرّ على الإبقاء على الأدوات التشريعية التي تضمن له السيطرة الكاملة على المجتمع والمعارضة.