مع بدء انسحاب قوات الإحتلال باتجاه الخط الأصفر دخلت المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيّز التنفيذ في خطوة تهدف إلى تهيئة الأجواء لعملية تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال .
وشهدت مدينة غزة منذ الساعات الأولى صباح امس توافد آلاف الفلسطينيين عبر شارع الرشيد، وسط ترقب شعبي واسع لتطورات الاتفاق.
ووفقًا لتصريحات الوسطاء الدوليين والرئيس ترامب، من المقرر أن تتم عملية تبادل الأسرى بعد غد الإثنين حيث يُعاد الأسرى الصهاينة الأحياء مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وتسليم الجثامين.
ومع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة، تتجه الأنظار نحو المرحلة الثانية التي تواجه تحديات كبيرة قد تعرقل استكمال الاتفاق، وسط تصاعد المخاوف من انهيار التفاهمات بين الأطراف المعنية.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة، هناك أربعة ملفات رئيسية تهدد نجاح المرحلة المقبلة من الخطة:
1. نزع سلاح حركة حماس
يُعد هذا البند الأكثر حساسية، إذ ترفض الحركة حتى الآن أي صيغة تؤدي إلى تفكيك جناحها العسكري، معتبرة ذلك مساسًا بحق المقاومة. في المقابل، تصر دولة الاحتلال على ضمانات أمنية صارمة قبل المضي قدمًا في أي خطوات سياسية أو اقتصادية.
2. ضمانات دولية لوقف الحرب
رغم تعهد ترامب بوقف كامل للعمليات العسكرية، إلا أن غياب آلية رقابة دولية واضحة يثير شكوكًا حول مدى التزام دولة الاحتلال بعدم استئناف الهجمات، خاصة في حال حدوث خروقات أمنية أو تصعيد ميداني.
3. تبادل الأسرى والجثامين
بينما تم الاتفاق على تنفيذ عملية التبادل يوم الإثنين المقبل، لا تزال هناك خلافات حول قوائم الأسرى، ومصير بعض الجثامين التي تطالب بها الأطراف، ما قد يؤخر تنفيذ هذا البند الحيوي.
فى هذا السياق قال مكتب إعلام الأسرى الفلسطينيين، إنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق رسمي بشأن قوائم الأسرى ضمن صفقة التبادل.
وأضاف المكتب :في حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي سيتم نشر القوائم الرسمية عبر منصاتنا .
4. الاعتراف السياسي والتمثيل الدولي
تطالب حماس بضمانات لتمثيلها في أي مفاوضات مستقبلية، بينما ترفض دولة الاحتلال الاعتراف بها كطرف سياسي شرعي، ما يضع عراقيل أمام تشكيل إطار تفاوضي شامل للمرحلة الثانية.
وتشير التقديرات إلى أن فشل معالجة هذه الملفات قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق برمّته، رغم الجهود المكثفة التي تبذلها واشنطن والوسطاء الإقليميون لتثبيت التهدئة وبناء مسار سياسي مستدام.
حماس تتحفظ و دولة الاحتلال تلوّح بالتصعيد
قال قيادي بارز في حركة حماس، إن الحركة حريصة على وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال والبدء الفوري في عملية تبادل الأسرى، لكنها أعربت للوسطاء المصريين عن مخاوفها من مماطلة حكومة الاحتلال.
في المقابل، أكد مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، استعداد الاحتلال لكافة السيناريوهات، معربًا عن أمله في نجاح المحادثات
وشدد على أن دولة الاحتلال ملتزمة بنزع سلاح قطاع غزة، وأن السلطة الفلسطينية لن تشارك في إدارة القطاع بعد الحرب.
ضغط شعبي داخل دولة الاحتلال
كشف استطلاع رأي حديث أجراه معهد الديمقراطية الصهيوني، أن 64% من الصهاينة يطالبون باستقالة نتنياهو على خلفية هجوم 7 أكتوبر 2023، فيما يرى 66% أن الوقت قد حان لإنهاء الحرب في غزة، بزيادة 13 نقطة مئوية عن استطلاع العام الماضي.
ووفق صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإن الخطر الذي يواجه حياة الرهائن هو السبب الرئيسي وراء تصاعد الدعوات الشعبية لإنهاء الحرب.
قضايا عالقة
ورغم التفاؤل الحذر، استبعد مصدر مسئول إمكانية التوصل إلى اتفاق سريع، نظرًا لتعقيد الملفات المطروحة والحاجة إلى معالجة التفاصيل الدقيقة، مؤكدًا أن الوسطاء يواجهون تحديات كبيرة في إقناع الطرفين بالتوافق على بنود الاتفاق.
وأوضح المصدر، أن أبرز القضايا المطروحة تشمل: تفاصيل انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، والجدول الزمني لتنفيذ الانسحاب، وآلية نقل إدارة غزة من حركة حماس، وتشكيل قوة دولية لتثبيت الاستقرار، وفقًا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ورفض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فكرة التوصل إلى أي تسوية جزئية مع حركة حماس، مؤكدًا أن المطلوب هو استسلام كامل ونزع سلاح الحركة دون أي تحفظات، في إشارة إلى موقف دولة الاحتلال الثابت تجاه شروط إنهاء الحرب في غزة.
في المقابل، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، إن الإدارة الأمريكية تراقب عن كثب سير المحادثات الفنية، مشيرًا إلى أن الوقت القريب سيكشف مدى جدية حركة حماس من خلال تعاملها مع التفاصيل اللوجستية المطروحة.
مسائل معقدة
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام النويري، إن مفاوضات شرم الشيخ بين دولة الاحتلال وحركة حماس تواجه تحديات كبيرة تتعلق بآليات نزع السلاح، وإدارة قطاع غزة بعد الحرب، وضمانات أمنية طويلة الأمد، في ظل تباين واضح في مواقف الأطراف، وتزايد الضغط الشعبي داخل دولة الاحتلال لإنهاء الحرب.
وأوضح «النويري» فى تصريحات صحفية، أن الوسطاء يواجهون قائمة طويلة من القضايا المعقدة، تبدأ بتفاصيل انسحاب قوات الاحتلال من غزة والجدول الزمني لذلك، وصولًا إلى نقل إدارة القطاع من حركة حماس وتشكيل قوة دولية لتثبيت الاستقرار، وفقًا لما تضمنته خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأشار إلى أن الأطراف الثلاثة «ترامب، نتنياهو، وحماس» يدخلون المفاوضات دون نية حقيقية لاستكمالها حتى النهاية، مؤكدًا أن كل طرف يسعى إلى مكسب مرحلي .
وأكد «النويري»أن حماس تبحث عن تثبيت وجودها السياسي والميداني، ونتنياهو يسعى إلى تهدئة الداخل الصهيوني وسط تصاعد الغضب الشعبي، وترامب يطمح إلى إنجاز سياسي يُترجم إلى جائزة نوبل للسلام.
وأضاف أن النية الحقيقية لنتنياهو ليست إنجاز اتفاق شامل، بل الوصول إلى المرحلة الأولى فقط، وهي تبادل الأسرى، ثم تعطيل باقي البنود لاحقًا، خاصة تلك المتعلقة بنزع سلاح حماس، انسحاب قوات الاحتلال، وإعادة إعمار غزة، وهي نقاط قد تنسف الاتفاق برمّته.
وشدد «النويري» على أن حركة حماس تدرك أن نزع سلاحها يعني فقدان تأثيرها في «اليوم التالي لغزة»، ولهذا تسعى إلى توسيع دائرة الحوار عبر إشراك فصائل فلسطينية أخرى، في محاولة لتحويل مطلب نزع السلاح من شرط خارجي إلى قضية داخلية فلسطينية.
وتوقع أن تقبل حماس النقاش حول المرحلة الأولى من الاتفاق – تبادل الأسرى – لكنها ستتوقف عند المرحلة الثانية، حيث تبدأ العقبات الجوهرية التي تهدد مستقبل الاتفاق.
سلاح المقاومة
وقال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، إن قوات الاحتلال بدأت تنفيذ انسحاب جزئي ومنظم من مواقعها داخل قطاع غزة نحو مناطق تموضع جديدة، موضحًا أن العملية تتطلب وقتًا بسبب مشاركة وحدات ثقيلة وآليات مدرعة في الخطوط الأمامية.
وأوضح الفلاحي فى تصريحات صحفية أن جيش الاحتلال يسحب قطاعات عسكرية رئيسية، بينها فرقة نظامية تُعد القوة الضاربة للجيش كانت متمركزة في شمال القطاع، مشيرًا إلى أن هذا الانسحاب يحتاج وقتًا أطول من المتوقع نظرًا لتعقيد الانتشار العسكري في غزة.
وأشار إلى أن الانسحاب الحالي يختلف عن الانسحابات السابقة، إذ سمح بعودة السكان تدريجيًا إلى شمال القطاع من دون حواجز أو تفتيش، ما يشير إلى تغيير في آلية التعامل الميداني بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
وحول جدولة الانسحاب، قال الفلاحي إن المرحلة الأولى تسير بانتظام حتى الآن، مضيفًا أن المرحلة الثانية ستكون أكثر تعقيدًا، خصوصًا ما يتعلق بملف نزع سلاح فصائل المقاومة .
وتوقع أن استمرار الهدوء والالتزام بالاتفاق سيسمح بالانتقال إلى بقية المراحل بسلاسة مشيرا إلى أن الولايات المتحدة، إلى جانب دول إقليمية كبرى، تشكل ضمانة لاستمرار وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو ما يعزز فرص نجاح الاتفاق.
وفيما يخص ملف الأسرى، أوضح الفلاحي أن البحث عن جثث الأسرى الصهاينة سيستغرق وقتًا أطول مما هو محدد في الاتفاق، وقد يتطلب انسحابًا إضافيًا لجيش الاحتلال من مناطق يُعتقد أن الجثث مدفونة فيها، مشيرًا إلى أن لجنة مشتركة أميركية – صهيونية – قطرية – مصرية – تركية شُكلت لمعالجة هذا الملف المعقد.