في محاولة جديدة لتوفير سيولة عاجلة، وسد العجز المزمن في الموازنة العامة بعد انحسار الدعم الخليجي، لجأت حكومة السيسي إلى طرح أول إصدار من الصكوك السيادية في السوق المحلية بقيمة ثلاثة مليارات جنيه (نحو 63.4 مليون دولار) لمدة ثلاث سنوات، تحت شعار "تنويع مصادر التمويل وخفض التكلفة"، فيما يراه مراقبون محاولة يائسة لتمديد عمر الأزمة الاقتصادية لا حلها.
وقالت وزارة المالية، في بيان الثلاثاء: إن "الهدف من الإصدار هو استقطاب مستثمرين جدد مهتمين بالأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، على أمل جذب سيولة من داخل السوق بعد جفاف موارد العملة الصعبة وتراجع الاستثمارات الأجنبية."
ورغم أن الطرح جرى تغطيته خمس مرات وفقاً للوزارة، فإن متوسط العائد بلغ 21.56%، في واحدة من أعلى نسب الفائدة في العالم، ما يعكس حجم المخاطر وثقة المستثمرين المنخفضة في الاقتصاد المصري، كما أنه يظل قريباً من مستويات السندات التقليدية التي تخطت 21.8%. ويأتي هذا الطرح في سياق هوس الاقتراض المتواصل الذي بات السمة الأبرز لسياسات النظام المالي في مصر، بعد فشل مشروعات "العاصمة الإدارية" و"القطار السريع" في تحقيق أي عائد اقتصادي حقيقي، وارتفاع الدين العام المحلي والخارجي لمستويات غير مسبوقة.
وتستند الصكوك السيادية إلى هيكل "الإجارة" المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ضمن برنامج عام بقيمة 200 مليار جنيه أطلقته الوزارة، يسمح بتنفيذ إصدارات متتالية تطبق عليها معاملة ضريبية ومحاسبية مماثلة لسندات الخزانة.
ويشير خبراء اقتصاد إلى أن هذه الخطوة ليست سوى تجميل ديني لأداة دين تقليدية، في ظل حاجة النظام الماسة لأي شكل من التمويل، سواء بفوائد ربوية أو بعناوين شرعية، بعد أن انحسرت المنح الخليجية وتقلصت الاستثمارات العربية بسبب فقدان الثقة في جدوى السوق المصرية.
وتزامن الإعلان مع قيام البنك المركزي المصري بطرح أذون خزانة باليورو بقيمة 600 مليون يورو، في إشارة واضحة إلى عمق أزمة السيولة بالعملة الأجنبية، ومحاولة الحكومة سد الفجوة التمويلية بشتى الطرق، بما في ذلك عبر ديون قصيرة الأجل مكلفة للغاية.
وكانت مصر قد أصدرت في سبتمبر/أيلول الماضي صكوكاً سيادية دولية بقيمة ملياري دولار، موزعة على آجال ثلاث وسبع سنوات، ما يؤكد أن سياسة الاقتراض أصبحت البديل الوحيد لدى نظام الانقلاب بعد توقف الدعم الخارجي وفشل خطط الإصلاح الاقتصادي المزعومة.
فقرة تحليلية
يرى محللون أن طرح الصكوك في هذا التوقيت لا يعكس "ابتكاراً مالياً"، بقدر ما يكشف عجز الدولة عن توليد موارد إنتاجية حقيقية، إذ إن كل أدوات التمويل الحكومية خلال السنوات الأخيرة اتجهت نحو تدوير الدين بدلاً من تسديده.
ووفقاً لبيانات رسمية، تجاوز الدين العام الإجمالي 165% من الناتج المحلي الإجمالي إذا ما احتُسبت ديون الهيئات والشركات الحكومية، ما يعني أن مصر تستدين لتمويل خدمتها للدين نفسه.
ويؤكد خبراء أن استمرار هذا النمط يجعل البلاد على حافة أزمة إفلاس هيكلية، خصوصاً مع تآكل احتياطيات النقد الأجنبي وغياب أي خطة إصلاح حقيقية تربط بين السياسة المالية والإنتاج الوطني. تعليق خبير: ويقول الدكتور محمود وهبة، الخبير الاقتصادي المصري المقيم في الولايات المتحدة: إن "نظام السيسي لا يبحث عن إصلاح، بل عن وقت إضافي للبقاء"، موضحاً أن طرح الصكوك محلياً بعد فشل الطروحات الدولية يعكس حالة الإفلاس المالي والسياسي التي وصلت إليها الدولة، مضيفاً أن "التمويل عبر الصكوك أو السندات أو القروض من صندوق النقد كلها مسكنات مؤقتة لنظام فقد القدرة على إدارة الاقتصاد أو جذب الاستثمار الحقيقي". .
خلاصة المشهد
في ظل انسداد الأفق السياسي والاقتصادي، يبدو أن النظام المصري يواصل العيش على الدين، مدفوعاً برغبة في تأجيل الانهيار لا منعه، بينما يدفع المواطن الثمن تضخماً وفقراً وضرائب جديدة، في بلد بات يستدين.