انهيار المنظومة التعليمية فى زمن الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي بدأت تداعياته السلبية تتكشف للمصريين، خاصة أن هذا الانهيار لم يعد قاصرا على المدارس الحكومية التى تعانى من أوضاع مأساوية بل تجاوزها إلى المدارس الخاصة والدولية التى يتحمل فيها أولياء الأمور مبالغ كبيرة ورغم ذلك لا يحصل أبناؤهم على التعليم بالصورة المطلوبة ولا التربية الإخلاقية ولا التعامل التربوى الذى من المفترض أن تسير عليه هذه المدارس .
فى هذا السياق أثارت واقعة احتجاز طالبة داخل أحد الفصول في مدرسة نيو كابيتال بمنطقة التجمع الخامس لمدة 3 ساعات متواصلة، حيث تحولت فصولها إلى ”زنازين حبس انفرادى”، موجة غضب بين أولياء الأمور وخبراء التربية، خاصة بعدما اتضح أن الهدف من هذا التصرف هو الضغط على ولي أمرها لسداد المصروفات المتأخرة.
واقعة احتجاز طالبة مدرسة نيو كابيتال فجّرت نقاشًا واسعًا حول غياب الوعي التربوي في المدارس الخاصة، وحدود ما يمكن أن يُسمى حق المدرسة في مواجهة التزامات أولياء الأمور.
كانت وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب قد أعلنت -من أجل مواجهة الغضب المتصاعد- وضع مدرسة نيو كابيتال تحت الإشراف المالي والإداري، وذلك بعد المخالفات التي ارتكبتها المدرسة بحق عدد من طلابها بسبب تأخر سداد المصروفات الدراسية، بالإضافة إلى إحالة جميع المسئولين المتورطين للتحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالهم.
انتهاك صارخ
علق الدكتور تامر شوقي، أستاذ التقويم التربوي بجامعة عين شمس على واقعة حبس طالبة مدرسة التجمع قائلا : من الوقائع التي تتجاوز حدود العقل والمنطق الإنساني قيام إحدى المؤسسات التربوية — وليست العقابية — بحبس طالبة داخل أحد الفصول الدراسية لمدة تجاوزت ثلاث ساعات في يومين بسبب تأخر والدها عن سداد المصروفات الدراسية .
وأكد شوقى فى تصريحات صحفية أن مثل هذا التصرف غير التربوي يعد انتهاكا صارخا لكل القيم الإنسانية، ويترتب عليه تأثيرات نفسية وتربوية واجتماعية خطيرة، من بينها: إحساس الطالبة بالإهانة الشديدة والنظرة السلبية لذاتها وشعورها بأنها أقل من زملائها، إصابة الطالبة بالهلع والرعب من المدرسة، نتيجة لربطها بشكل لا شعوري بين مكان التعلم والتعليم ومشاعر الخوف والرعب والعقاب التي مرت بها داخل هذا المكان.
وأشار إلى احتمال إصابة الطالبة بأمراض جسمية أو تفاقمها في ضوء منعها من ممارسة حقوقها الطبيعية من مأكل ومشرب ودخول الحمام، بجانب فقدان الطالبة الإحساس بالأمن والأمان داخل المدرسة التي تحولت من مكان للحماية والرعاية إلى مكان للعقوبة وتوقيع الأذى، وكراهية الطالبة للمدرسة، وبالتالي فقدانها الرغبة في الذهاب إليها.
سلوكيات عدوانية
وأعرب شوقى عن أسفه لأن هذه الطالبة ستظل تشعر بالخزي والخجل أمام زملائها وأفراد المجتمع، خاصة بعد انتشار الخبر عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، واحتمال تعرض الطالبة للتنمر والسخرية من قبل زملائها بسبب واقعة حبسها، وانخفاض دافعية الطالبة للتعلم وبالتالي انخفاض مستواها الدراسي نتيجة ارتباط الدراسة لديها بمشاعر الألم والخوف.
وأضاف : هذا كله بجانب فقدان الطالبة الثقة في الكبار داخل المؤسسة التعليمية، سواء كانوا معلمين لم يدافعوا عنها أو يقوموا بحمايتها أو إداريين تسببوا في إيذائها، متوقعا اكتساب الطالبة سلوكيات عدوانية أو التمرد على أي قوانين في ضوء إحساسها بالظلم، وتشويه الصورة الذهنية لدى أفراد المجتمع عن المدرسة.
مؤهلات العاملين
واقترح شوقى أساليب تربوية لعلاج تلك التأثيرات السلبية والتعافي منها: إعادة النظر في المؤهلات الدراسية لكافة العاملين بالمدارس بمختلف أنماطها والتأكد من سلامتهم النفسية، وتنظيم دورات للتوعية القانونية والنفسية للعاملين بالمدارس، وإجراء جلسات دعم نفسي وعلاج سلوكي للطالبة لمساعدتها على تجاوز المشاعر السلبية المرتبطة بتلك الخبرة المؤلمة.
وشدد على ضرورة نقل الطالبة إلى مدرسة أخرى حتى تتخلص من المشاعر والأفكار السلبية المرتبطة بالمدرسة، وتوقف جميع المحيطين بالطالبة عن تذكيرها بالواقعة أو الحديث عنها للحفاظ على استقرارها النفسي، وتدعيم ثقة الطالبة في نفسها من خلال التركيز على نقاط قوتها ومواهبها وانجازاتها، وتقديم اعتذار رسمي وشخصي من إدارة المدرسة للطالبة ووالديها.
حقوق الطفل
وأعربت رودي نبيل، ولية أمر ومؤسس جروب “معًا لغدٍ مشرق” التعليمي، عن استيائها الشديد من الواقعة المؤسفة التي شهدتها مدرسة نيو كابيتال بعدما تعرضت طالبة للاحتجاز المتكرر داخل أحد الفصول كوسيلة ضغط على ولي أمرها لتسديد المصروفات المتأخرة.
وقالت رودي نبيل في تصريحات صحفية : إن ما جرى يمثل تعديًا تربويًا وقانونيًا خطيرًا على حقوق الطفل، مشيرة إلى أن الطالبة عوقبت على ذنبٍ لا دخل لها فيه، في سلوك يتنافى تمامًا مع القيم التربوية، ومع القوانين المنظمة للعملية التعليمية .
وأضافت أن المدرسة لجأت إلى أساليب غير تربوية وغير قانونية للضغط على ولي الأمر، بدلًا من اتباع الطرق التعاقدية والإدارية المتاحة، لافتة إلى أن إصرار بعض المدارس على قبول المصروفات نقدًا فقط ورفض الدفع الإلكتروني أو البنكي يخلق عقبات متعمدة أمام أولياء الأمور ويزيد من حدة الأزمات.
وأكدت رودى نبيل أن الواقعة كشفت عن قصور في وعي بعض الإدارات التعليمية بخطورة المساس بالحالة النفسية للطلاب، مشددة على أن استخدام الطفل كوسيلة ضغط لتحصيل المستحقات يمثل شكلًا من أشكال العنف النفسي والابتزاز المعنوي، الذي لا يمكن تبريره بأي حال .
دعم نفسي عاجل
وطالبت بضرورة تعزيز دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي داخل المدارس، وتفعيل برامج الدعم النفسي والتربوي للطلاب، خاصة من يتعرضون لمواقف ضاغطة أو مؤذية.
وحذرت رودى نبيل من أن ما حدث قد يترك آثارًا نفسية عميقة، تتراوح بين الإحساس بالمهانة والوصم الاجتماعي وفقدان الثقة بالنفس والمدرسة ، داعية ولي الأمر إلى تقديم دعم نفسي عاجل للطالبة عبر مختصين لضمان تجاوزها تلك التجربة القاسية واستعادة إحساسها بالأمان داخل بيئتها التعليمية.
وشددت على ضرورة أن يفهم الجميع أن التعليم رسالة سامية لا يجوز تحويلها إلى أداة ضغط مالي، مشيرة إلى أن المدرسة يجب أن تكون ملاذًا آمنًا للطفل، لا وسيلة عقاب أو ابتزاز.