التنازل عن الجنسية خطر يهدد المجتمع المصري في عهد السيسي

- ‎فيتقارير

في الوقت الذي أقر فيه برلمان السيسي قانون بيع الجنسية المصرية للأجانب مقابل مبالغ مالية يجري إيداعها بالبنوك لمدد تصل إلى 5 سنوات، تزايدت أعداد المتنازلين عن الجنسية، وهو ما أثار استغراب المراقبين، الذين أجمع أغلبهم على أن السبب يعود إلى حالات القمع والكبت الاقتصادي والسياسي والأمني المستشري في عهد الانقلاب العسكري.

وخلال السنوات الماضية، تجنّس آلاف المصريين بجنسيات أخرى، وتنازل بعضهم عن الجنسية المصرية، وجرى إسقاطها عن آخرين؛ أملًا في إيجاد وطن جديد يعيشون فيه بحرية بعيدًا عن بطش النظام وإجراءاته القمعية وسياساته الاقتصادية التي قضت على حياة الملايين من الفقراء.

وأصدر وزير الداخلية الانقلابي، أمس الأربعاء، أربعة قرارات بشأن منح الجنسية المصرية، وإذن التجنس بالجنسية الأجنبية، والسماح لعدد 44 مصريًّا بالتجنس بجنسيات أخرى بعد تنازلهم عن الجنسية المصرية.

30 حالة شهريًّا

وخلال الخمسة أشهر الماضية، تنازل نحو 151 مواطنًا عن الجنسية المصرية، لتجنيسهم بجنسيات أخرى، طبقًا للقرارات التي نُشرت في جريدة الوقائع المصرية.

وفي أغلب الحالات، دفعت الأوضاع المأساوية التي يعاني منها الشعب المصري عددًا من المواطنين إلى التنازل عن الجنسية، وأصبح التنازل عن الجنسية والدعوة إلى الهجرة الجماعية ظاهرة شائعة فى مصر.

واللافت أن إحصاءات المتنازلين عن الجنسية بشكل نهائي ودون الاحتفاظ بالجنسية المصرية آخذة في الصعود، حيث تنازل 1750 مواطنًا عن جنسيتهم خلال تسعة أشهر فقط عام 2016، بمعدل عشرين مواطن شهريًّا، وأوضحت مصلحة الجوازات أن هناك ما يقرب من 800 شاب مصري تنازلوا عن جنسيتهم المصرية خلال ‏9‏ أشهر، منهم ‏90‏ شابًا من مدينة الأقصر خلال 2017، وفى عام 2018 بلغ عدد المتنازلين عن الجنسية قرابة الـ500 مواطن مصري.

ووفقًا لأحدث الإحصاءات، هناك على الأقل 30 شابًا مصريًا يتقدمون بطلب التنازل عن جنسيتهم شهريًا، وأكثرهم من الراغبين في الحصول على جنسية الدول التي تشترط أنه لا ولاء إلا لدولة واحدة، فيبيع جنسيته المصرية من أجل الحصول على غيرها.

حياة آدمية

عادل فهمى، المولود بمحافظة بنى سويف عام 1991، أتمّ دراسته قبل الجامعية، والتحق بكلية الهندسة المعمارية فى جامعة العاشر من رمضان، وفور انتهائه من التعليم الجامعى، سافر إلى «تورنتو» فى كندا المتواجد بها حاليًا منذ عام 2016.

«عادل» حارس أمن على بنايتين فى تورنتو، وسيعود لاستكمال دراسته فى تخصص الجرافيك والهندسة خلال سبتمبر المقبل، ويسعى حاليًا بقوة إلى إتمام إجراءات التنازل عن جنسيته عقب استقرار وضعه فى الخارج.

يقول فهمى، في تصريحات صحفية: «أول استفادة عقب التنازل عن الجنسية أننى غير مصرى على الأقل على الورق، وهذا معناه أن الحكومة المصرية لا تمثلني ولا باقي مؤسسات الدولة، وكل ما يترتب على ذلك من تجنيد وتصاريح للسفر وضرائب وغيره».

ويضيف: «عشت فى مصر وكان وضعي المادي معقولا لكنه مضطرب، لا يوجد نظام ولا احترام للإنسان، ووجودي فى كندا دائم ولن أرجع لمصر، يبقى ليه احتفظ بالجنسية المصرية، أقول هذا وأنا عايش هناك فى أوضة مع شوية هنود».

وجود «عادل»، فى كندا لا يمنع وجود ذويه وأقاربه فى مصر، إذ يعيش فى الغربة وحيدًا، وبالرغم من ذلك يرى أنها أفضل من وطنه الأم: «أهلى عايشين فى مصر مش علشان بيحبوها لكن لأن كل حياتهم هناك وأنا قررت أبدأ حياتي بعيد عنها».

يقارن بين الوضع فى مصر وفى كندا قائلًا: «كندا مش مكان بس دا زمان، بيئة أنظف، أماكن أفضل، ناس أكثر تحضرًا، اقتصاد قوى، مؤسسات ناجحة وفعالة فى تقديم خدماتها».

مؤشر خطورة

أيضا أحد الشباب يدعى “و. السعيد”، تحدث عن التنازل عن الجنسية فقال: “آه ممكن أتنازل في سبيل مكان هاعيش فيه حياة آدمية”، مشيرا إلى سوء الأوضاع المعيشية في المجتمع المصري وسيادة عنصر المادة فيه، وأضاف: “مش هتعرف تخلص أمورك غير بالفلوس”.

وتابع: “في دول كتير بتدي مواطنيها امتيازات كتير أوي كونهم منها، وبيربوا الانتماء جواهم وبيعززوا عندهم فكرة الوطن وإنهم مختلفين”.

وأضافت مواطنة أخرى تدعى” د.الرفاعي: “آه أتنازل دون تردد”، مشيرة إلى سوء أحوال الشباب فى مصر. وأضافت أن الدولة لا تهتم بأحوال الشباب الذين يمثلون ثروتها الحقيقية، مشيرة إلى أن معظم الأشخاص الناجحين يعيشون بالخارج.

وطبقا للقانون لجأ العديد من المواطنين للتنازل عن الجنسية المصرية للتخلص من ظلم نظام “السيسي”، أبرزهم “محمد صلاح الدين سلطان”، الذى كان متهما في قضية غرفة عمليات رابعة والذي يحمل الجنسية الأمريكية، وأيضًا “محمد فهمي” الذي يحمل الجنسية الكندية، وكذلك الطالب “مصطفى قاسم” المُتهم في القضية المعروفة إعلاميا بـ”فضّ اعتصام رابعة”.

من جانبها اعتبرت د. نيرمين عبد السلام، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن تنازل المصريين عن جنسيتهم وحصولهم على جنسيات أخرى السنوات الماضية، فضلاً عن دعوات الهجرة الجماعية يمثل مؤشرا شديد الخطورة عن حجم ما أصاب المجتمع من إحباط نتيجة الانقلاب العسكري.

إجراءات التنازل

طلبات التنازل عن الجنسية المصرية تقدم إلى مصلحة الجوازات والهجرة التابعة لوزارة الداخلية، أو إحدى القنصليات المصرية فى الخارج، أصحابها يعلنون ذلك لرغبتهم فى الحصول على جنسية دولة تشترط عدم حمل أى جنسية أخرى مثل ألمانيا وموريتانيا والنرويج.

الخطوة الثانية تتحقق باجتماع لجنةٍ تتشكل من أجهزة الأمن الوطني والأمن العام والمباحث الجنائية، للتعرف على أسباب التنازل، وتقوم اللجنة بالبت فى القرار خلال مدة لا تقل عن شهرين أو تمتد لعدة أشهر، وقد يلجأ المواطن لرفع دعوى بمجلس الدولة للحصول على ما يريد.