فرنسا تُصالح “السفاح” على حساب الحريات وحقوق المصريين

- ‎فيتقارير

قبل أسابيع قليلة، سخر النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي من التعامل المبدئي للشرطة الفرنسية مع أزمة السترات الصفراء، واستلهموا صورة لتهامس بين السيسي ينصح ماكرون بكيفية التعامل مع متظاهري السترات الصفراء بتصريحاته المتناقضة والكوميدية، على غرار “قل لهم: فرنسا هتبقى أد الدنيا” و”انتوا مش عارفين أنكم نور عينينا”!.

غير أن الساخرين لم يدر بخلدهم أن فرنسا التي تتعامل مع ثورة الشعب الفرنسي بزيادة الرواتب وعدم رفع الأسعار وعدد من الإجراءات الاقتصادية لصالح المتجمهرين، هي نفسها الدولة الاستعمارية القديمة صاحبة المصالح، وأنه لولا صفقات السلاح التي توقعها فرنسا مع مصر لما كتبت صحفها، وهي الملقبة بعاصمة الحريات، أن “السيسي فرعون لا غنى عنه”.

خدعة حقوق الإنسان

وكتبت صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”: “السيسي الفرعون الذي لا غنى عنه”، حيث أشار كاتب المقال “فرانسوا كليمنصو” إلى أنه رغم ما تثيره أوضاع حقوق الإنسان في مصر من تحفظات على هذه الزيارة، فإن فرنسا لا يمكنها تجاهل العملاق الإفريقي الذي يعد مئة مليون نسمة، والذي يعتبر شريكًا استراتيجيا لباريس في ليبيا وسوريا واليمن، وفي إفريقيا أيضًا التي ستترأس مصر اتحادها بدءًا من الشهر المقبل.

وفي “لو جورنال دو ديمانش” أيضا، حديث مع سفير مصر في فرنسا، إيهاب بدوي، بمناسبة الزيارة، وقد أقر فيه بدوي بحدوث تجاوزات على مستوى حقوق الإنسان، لكنه اعتبر أن الأولوية هي للاستقرار الأمني والسياسي في مصر.

وقالت منظمة العفو الدولية، الخميس: إن مبيعات الأسلحة الفرنسية لمصر أسهمت في قمع المحتجين وانتهاك حقوق الإنسان. كما يقول تقرير لمنظمة دولية غير حكومية، إنه منذ عام 2011 أصبحت فرنسا مُصدر الأسلحة الرئيسي لمصر متقدمة على الولايات المتحدة، في 2017 بلغت قيمة المعدات العسكرية والأمنية التي باعتها فرنسا لمصر 1.4 مليار يورو. وأنه منذ 2012 تضمنت المعدات التي تسلمتها مصر من فرنسا مدرعات تستخدمها قوات الأمن في احتواء الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وكانت حكومة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند هي التي استفادت من الصفقات العسكرية، والتي بلغ إجمالي قيمتها نحو 6 مليارات يورو.

فرنسا الاستعمارية

غير أن فرنسا التي تضع على طاولة لقائها قائد الانقلاب، الملف الليبي وتنظر إليه رئيسا مقبلا للاتحاد الإفريقي خلال أشهر، كان أحدث من كشف أبعاد اللقاءات جيرانها في إيطاليا، بعدما اتهم نائب رئيس الوزراء الإيطالي ووزير الداخلية ماتيو سالفيني فرنسا، في أنها لا ترغب في استقرار الوضع داخل ليبيا وبالعديد من الدول الإفريقية، وأرجعه الأخير لتضارب مصالحها النفطية مع مصالح إيطاليا هناك.

أما وزير التنمية الاقتصادية في إيطاليا دي مايو فقال: إن “هناك عشرات من الدول الإفريقية التي لا تزال تطبع عملتها المحلية في باريس وتمول من خلالها الدين العام الفرنسي”

وأضاف دي مايو: “لو لم يكن لفرنسا مستعمرات إفريقية لكانت الدولة الاقتصادية الـ15 في العالم، في حين أنها بين الأوائل بفضل ما تقوم به من نهب ثروات إفريقيا”.

واستطرد الوزير الإيطالي في اتهام فرنسا باستغلال ثروات القارة الإفريقية بالقول: “إذا كان هناك اليوم أفراد يرحلون فلأن بعض الدول الأوروبية في طليعتها فرنسا لم تكف عن استعمار عشرات الدول الإفريقية. كما أنها واحدة من هذه الدول التي تمنع التطور وتسهم في رحيل اللاجئين، وإذا أرادت أوروبا اليوم أن تتحلى ببعض الشجاعة، عليها أن تتخذ قرار العمل على إزالة الاستعمار في إفريقيا”.

أقاليم ليبيا

فيما يرى مراقبون أن اللقاء مع السيسي سيهتم بتحركات فرنسا ومصالحها في الجنوب الليبي، خاصة بإقليم “فزان”، ومد نفوذها شمال ليبيا، ونحو الغرب والشرق، كما تسعى إلى نشر قوات عسكرية لها، وهو ما أكده عدد من التصريحات الرسمية من مسئولين ليبيين، وكشفت خلاله عن مساعٍ فرنسية لنشر قوة لها غربي البلاد، وتحديدا بمدينة مصراتة، حيث تتمركز القوات الإيطالية هناك، وهو ما تنفيه روما، لكن سبق واستنكر مجلس النواب الليبي تصويت البرلمان الإيطالي على “زيادة القوات الإيطالية الموجودة بمصراتة”، وهو ما يؤكد وجود قوات إيطالية، وتأتي المساعي الفرنسية لنشر قوة عسكرية لها بالمنطقة، في خطوة منها لدعم ما تعتبره نجاحا لمبادرتها، عبر تمركز لقواتها على الأرض وهو ما ترفضه القوى الليبية.

ويأتي دور السيسي واضحًا بالعمليات المشتركة الإماراتية والمصرية والفرنسية، فعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي، فإن عددًا من التصريحات الرسمية الفرنسية أكدت الوجود العسكري الفرنسي الفعلي في الشرق الليبي، وذلك عندما نعى الرئيس الفرنسي السابق فرانسو أولاند مقتل 3 عسكريين فرنسيين بالقرب من مدينة بنغازي في يوليو 2016، كما سبق وأعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية ستيفان أنه “يوجد (في ليبيا) قوات خاصة للمساعدة.. ففرنسا توجد في كل مكان لمكافحة الإرهاب”. على حد قوله.

وتعتمد باريس في تحركاتها على دعم السيسي وعدد من القبائل الموالية لها في الداخل الليبي، خصوصا في جنوب البلاد، الذي يعد بوابة الهجرة القادمة من جنوب الصحراء الإفريقية، ومنطقة اللقاء مع مناطق نفوذها في النيجر ومالي، اللتين تخوض فيهما حربًا مع تنظيمات إرهابية في الصحراء الكبرى.