لماذا لم يطالب “الزند” ونادي القضاة أمريكا بالتدخل لوقف ترقيعات السيسي الدستورية؟!

- ‎فيتقارير

كما فعلوا مع الرئيس مرسي..

في أبريل 2013، وضمن التحضيرات التي كانت قائمة على قدم وساق بين جنرالات الانقلاب وأركان الدولة العميقة (قضاة – شرطة – جهاز إداري – إلخ)، للتمهيد للانقلاب العسكري، دعا وزير العدل ورئيس نادي القضاة السابق حينئذ، أحمد الزند، ومعه “قضاة من أجل الزند” إلى تدخل الرئيس الأمريكي أوباما في شئون مصر، لمجرد أن الرئيس محمد مرسي مارس حقه الذي أعطته له الثورة بعزل نائب عام النظام المخلوع مبارك وعين نائب عام آخر.

وفي تبرير الاستقواء بالأجنبي، سعى قضاة الانقلاب حينئذ للادعاء بأن الرئيس محمد مرسي خرق القواعد القضائية التي تعطي حق تعيين النائب العام لمجلس القضاء الأعلى لا الرئيس، والفصل بين السلطة التنفيذية والقضائية، ولم يقل أحد حينئذ إن القضاة يشتغلون بالسياسة أو التخابر، رغم التحريض السافر بدعوتهم دولة أجنبية للتدخل في شئون مصر.

ولم يحاكم أحد الزند أو قضاة الانقلاب على هذه الدعوات للاستقواء بالأجنبي أو التخابر مع الأمريكان، أو يقول لهم إنهم يشتغلون بالسياسة، رغم أن عقوبة هذا الاستقواء بالخارج، والذي يضر بمركز مصر السياسي، تصل في قانون العقوبات (مادة 77) إلى الأشغال الشاقة والإعدام.

جبهة الخراب

وفي ذلك الحين، دعّمت جبهة الخراب (الإنقاذ) دعوات الزند للتدخل في شئون مصر لمنع الرئيس محمد مرسي من تعيين نائب عام جديد، وصمت اليساريون والناصريون عن خطورة التدخل الأجنبي، وجلسوا صامتين في مؤتمرات الزند، مرحبين بدعوته للرئيس الأمريكي بالتدخل في شئون مصر والاستقواء بالتدخل الأجنبي في شئون مصر، وتخلّوا عن الثوابت الوطنية لمجرد مناكفة الرئيس مرسي والإخوان والشطط في الخصومة.

في هذا المؤتمر، حاول الأديب علاء الأسوانى تبرير استقواء الزند بالأجنبي بمزاعم أن رئيس الاتحاد الدولي للقضاة جيهارد ريزنر (Mr. Gerhard Reissner)، الذي أحضره الزند معه في مؤتمر الاستقواء بأوباما، لا يمثل حكومات أو سلطات تنفيذية، وجاء على سبيل التضامن المهني، وبالتالي فهذا ليس استقواء بالأجنبي على حكومة مصر الثورة، بحسب زعمه، ودافع إعلاميو الانقلاب عن الزند أيضا.

وقتها استغل الزند ما قالوه وراح يدافع عما فعله، مدعيًا أن “الخطوات التي أقدموا عليها مشروعة وقانونية، وأنه لا صحة لما يتردد عن استقواء نادي القضاة بالخارج”.

لماذا لم يتصدوا للسيسي؟

هذه المرة لا ينوي السيسي فقط استصدار تعديلات دستورية دائمة- وليس مجرد تعيين عادي مؤقت– لتعيين النائب العام، وإنما لتعيين النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية ونوابه، ومنع قضاة مجلس الدولة من مراجعة أية قرارات له أو قوانين حكومية، مثل التنازل عن تيران وصنافير، دون أن نسمع صوت “الزند” أو مجلس القضاء أو نادي القضاة، وما صدر عنهم جاء على استحياء كأنهم يخشون الكلام أصلا، برغم أن هذه التعديلات ستقضي تماما على استقلال القضاء، وتجعل للجيش سلطة التدخل بالانقلابات وقتما يشاء.

ويبدو أن سلسلة الانتقادات على مواقع التواصل لصمت نادي القضاة جلبت أنباء غير مؤكدة عن أن نادي القضاة ربما يجتمع، الجمعة 15 فبراير 2019، لمناقشة المواد الخاصة بالقضاء في التعديلات الدستورية.

ونُشرت تعليقات للمستشار محمد عبد المحسن، نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي قضاة مصر، ينتقد التعديلات الدستورية ضمنًا، ولكن بلغة هادئة معتدلة لم تُستخدم أيام الرئيس الديمقراطي مرسي، والآن يتحدثون بهدوء واستجداء من الديكتاتور السيسي ليُبقي لهم على بعض من حياء الوجه كقضاة، حيث قال إن:

1-المشرع في دولة سيادة القانون يجب أن يحرص على أن تتوافق القوانين الصادرة عنه مع أحكام الدستور بما تحمله من تلك الضمانات السالف ذكرها، وأن يعمل على تصحيح المعيب منها دستوريا، لا أن يسعى لتعديل الدستور بما ينتقص من تلك الضمانات الأساسية، ولتحصين القوانين المعيبة دستوريا لإخلالها بتلك الضمانات.

2-مجلس إدارة نادى القضاة اجتمع، الإثنين 4/2/2019، لمناقشة تلك التعديلات المقترحة، وانتهى مجلس إدارة النادي إلى أن تلك التعديلات تنال من ضمانات استقلال القضاء، والذي هو ضمانة أساسية للمواطن والدولة القانونية المنصوص عليها في الدستور الحالي، والتي كنا نطمع في تدعيمها وأعمالها.

3-طلبنا لقاء لبحث هذا الأمر وغيره من الأمور المطروحة على الساحة القضائية في أقرب وقت ممكن، وحرصا على وحدة الصف ومزيدا من الحوارات البناءة حول المواد المقترح تعديلها فسوف ندعو المجلس الاستشاري للسادة رؤساء أندية الأقاليم للاجتماع يوم الإثنين القادم، كما سندعو شيوخنا الأجلاء وزملاءنا الأعزاء للقاء مفتوح يوم الجمعة الموافق 15/2/2019 بالنادي النهري الساعة السادسة مساء.

حالة غضب

موقف نادي القضاة الحكومي المائع الذي شارك في انقلاب 2013 العسكري، لا يعني قبول كافة قضاة مصر لهذه الترقيعات الدستورية، وهو ما رصده موقع “مدى مصر” نقلا عن عدة قضاة، ولكنهم خافوا ذكر أسمائهم أيضًا.

وقال مصدر قضائي، إن التعديلات المقترحة على السلطة القضائية، ضمن التعديلات الدستورية، “تجعل الدستور الجديد من نوعية دساتير الديكتاتوريات العسكرية”، ورأى قضاة أن هذه التعديلات تكتب كلمة النهاية في معركة استقلال القضاء.

أيضا اعتبرت مصادر قضائية أخرى أن التعديلات الخاصة بالقضاء مجرد محاولة لصرف النظر عن التعديل “الأهم” الذي يسمح للسيسي بالاستمرار في حكم البلاد حتى عام 2034.

ونقل موقع “مدى مصر”، عن أحد نواب رئيس مجلس الدولة– دون الكشف عن اسمه– قوله: “الفترة الحالية هي عنوان لدسترة الديكتاتورية، واللي مش عاجبه يشوفلُه حتة تانية”، معتبرًا أن تعديل الدستور “يُعيد مصر لأيام أسوأ من أيام المندوب السامي البريطاني.

ورأى أن التعديلات المقترحة “تجعل الدستور الجديد من نوعية دساتير الديكتاتوريات العسكرية، على غرار دستور بوكاسا ديكتاتور إفريقيا الوسطى، وعيدي أمين ديكتاتور أوغندا”.

اللحظة الأخيرة

واعتبر نائب لرئيس مجلس الدولة، وهو رئيس لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا، أن التعديلات الحالية “نتيجة طبيعية للأحداث التي شهدتها البلاد خلال الفترة الرئاسية الأولى للسيسي، سواء بتمرير اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية رغم إبطالها من القضاء، أو بإقرار قانون الهيئات القضائية رغما عن اعتراضات القضاة”.

وتوقع نائب ثانٍ لرئيس مجلس الدولة، التراجع عن غالبية التعديلات المتعلقة بالسلطة القضائية في اللحظة الأخيرة؛ لأن الهدف الأول من التعديلات هو إزالة أية عقبات أو قيود تمنع استمرار السيسي في السلطة بعد انتهاء مدته الحالية، ومن ثم فالتعديلات المصاحبة لمادة مدة الرئاسة في الدستور هي مجرد تفاصيل هدفها لفت الأنظار، وفتح نقاش وجدل حول موضوعات فرعية”.

الخلاصة أن التعديلات المتعلقة بسلطة السيسي في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، أو بإعادة المجلس الأعلى للهيئات القضائية لا يترتب عليها جديد على أرض الواقع، خاصة وأن السيسي يمارس تلك السلطة بالفعل في الوقت الحالي تنفيذًا لقوانين سارية، ومن ثم فلا مانع من حذف تلك المقترحات وقت مناقشة التعديلات.

ولكن ما سيحسب لقضاة الانقلاب الحاليين هو موقفهم من التعديلات التي تقضي على ما تبقي من استقلال القضاء وتلحقه بمكتب السيسي، وهي مذبحة جديدة للقضاء ولكن بوسائل أكثر خسة وبمشاركة قضاة مصريين، بينما يجري التنكيل بالقضاة الشرفاء في مصر وفصلهم ومطاردتهم وإبعادهم عن مناصبهم التي باتت بالتعيين في ظل الانقلاب، بعدما كانت بالأقدمية بينهم وبين بعضهم البعض.