البداية “حذف الديانة”.. استمرار السيسي أكبر خطر يهدد هوية المجتمع المصري

- ‎فيتقارير

للمرة الثانية في أقل من عامين يتقدم أحد نواب ائتلاف دعم مصر الداعم للسيسي، إسماعيل نصر الدين، بمشروع قانون لمجلس نواب العسكر، يطالب فيه بحذف خانة الديانة من المحررات الرسمية وبطاقات الرقم القومي، وذلك بعد اعتراض لجنة الشؤون الدينية ببرلمان السيسي على مشروع مماثل قدمه عضو الائتلاف أيضًا علاء عبد المنعم عام 2016، وسبق لنفس اللجنة رفض قرار جامعة القاهرة بإلغاء خانة الديانة من محرراتها الرسمية.

وبالتالي فمشروع القانون، والمرجح رفضه من ذات اللجنة، محطة أخرى في مسلسل الصراع بين الدولة ومؤسسة الأزهر ومؤيديها ويمثل تهديدا فعليا للهوية المصرية، حيث يعد القانون بحسب مراقبين بالونة اختبار لمزيد من الخطوات التعسفية ضد الهوية الإسلامية للمجتمع المصري، الذي فرض على قطاعات واسعة منه التخلي عن كثير من السنن كحلق اللحي وخلع النقاب ومنع الصلاة بالدوائر الحكومية.

وبحسب مراقبين، فإن مشروع القانون محاولة “للصيد في الماء العكر” قام بها أحد “علمانيي المجلس” مستغلاًّ السخونة التي لم تهدأ بعد، والناجمة عن حالة التصعيد التي كانت بين الأزهر وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي خلال احتفالية المولد النبوي، فيما اعتبر مراقبون أن مشروع القانون استمرار لسياسات الإلهاء التي يستخدمها النظام لصرف أنظار المجتمع عن مشكلاته الحقيقية، وفي نفس الوقت رسالة للخارج بأن النظام ومؤسساته مصممان على السير في طريق تجديد الخطاب الديني، وتغريب المجتمع المصري.

موقف الأزهر

نص تقرير هيئة كبار العلماء بشأن الرأي الشرعي وعواقب إلغاء خانة الديانة، وهو التقرير المقرر إرساله للجنة الدينية، والتي كانت قد خاطبت شيخ الأزهر للمساندة في موقفها الرافض لإلغاء خانة الديانة فى عام 2016، إلى أنه لا يوجد نص صريح من القرآن والسنة المحمدية يحرم أو يبيح وضع خانة الديانة من عدمه.

إلا أن التقرير أشار إلى دعم الأزهر رفض إلغاء خانة الديانة، من خلال تأكيده أن وضع الديانة في البطاقة الشخصية سيساعد على كشف الديانات الأخرى غير السماوية، وحماية المجتمع من علاقة المصاهرات المخالفة، مؤكدًا أنها منفذ لنشر العقائد الشاذة الهدامة المخالفة للديانات القومية، مثل البهائية والقرآنية والشيعة، وبالتالي سيصعب رصد معتنقي هذه العقيدة قبل الزواج مما سيساعد على زيادة معدلات الطلاق داخل المجتمع، كما أن ذلك يصب في صالح معتنقي تلك المذاهب.

وأضاف الأزهر أن وجود خانة الديانة أمر مهم عند الزواج، والطلاق، كذلك عند الوفاة حتى يتم دفنه وفقا للدين الذي يعتنقه كل شخص، كما تترتّب عليه أوضاع قانونيّة عدّة مثل الشهادة في المحاكم، والّتي لا تقبل بشهادة غير المسلم في المسائل الشرعيّة والأحوال الشخصيّة للمسلمين، مثل إثبات جريمة الزنا أو الطلاق .

موقف المسيحيين

على الرغم من أن المسيحيين كانوا أكثر حرصا من غيرهم على إظهار هويتهم برسم الصلبان على أيديهم بشكل واضح، وارتداء السلاسل التي تحوي صلبان بارزة، بالإضافة لإظهار الصور الخاصة بالرموز القبطية في منازلهم وأماكن عملهم، إلا أن الكنيسة لم تعلق بالسلب أو بالإيجاب على مشروع القانون وكأنها تعلم أن الأزهر والمجتمع سيخوضون نيابة عنها معركة الحيلولة دون تمرير القانون؛ فتتحقق غايتها وفي نفس الوقت تظل بعيدة عن التجاذبات بين النظام والقوى الدينية.

الأغرب أنه رغم الجدالات التي أثارها مشروع القانون، والتي مثلت وجبة دسمة للنوافذ الإعلامية “قنوات وصحف”، إلا أن أحد هذه النوافذ لم يحاول استبيان موقف الكنيسة من الجدل الدائر، وكأن هناك اتفاقا عاما على إبعاد الكنيسة، وعدم توريطها في جدالات، يجب أن تكون المؤسسات الدينية الإسلامية، هي حاملة لواء المحافظة فيها، لتكال لها منفردة اتهامات الرجعية وتغذية التطرف.

تجديد البيعة

وبحسب مراقبين، فإن الدورة الحالية هي الأخيرة في عمر البرلمان، ما يدفع كثيرا من النواب لتجديد بيعتهم للنظام الحاكم الذي لم يعد خافيا موقفه السلبي من الثوابت الدينية، ما يجعل النواب يزايدون على كل ما هو متعلق بالشأن الإسلامي، مثل أزمة النقاب والآن أزمة خانة الديانة.

كما يهدف النظام إلى إثارة القضايا الدينية، التي تثير اهتمام الرأي العام، ما يشغل الناس عن الظروف المعيشية الصعبة بفضل سياسات النظام. خاصة أن مشروع القانون جاء بعد وقت قصير من مشروع قانون النائبة غادة عجمي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمصالح الحكومية.

بجانب سعي السيي  إلى خطب ود الدول الغربية، والظهور أمامها بأنه راعي العلمانية فى مصر، ولديه القدرة على إصدار وإلغاء قوانين راسخة منذ سنوات لم يكن لأحد القدرة على الاقتراب منها. ويستهدف السيسي التقارب مع الحركات الحقوقية والاتجاهات العلمانية التي تدعم منع التمييز الديني فمثل تلك التشريعات المرتبطة بحذف خانة الديانة ستجر دعمًا من بعض القوى الحقوقية الدولية المعنية بقضية التمميز الديني، وهو ما يصرف أنظار هذه الدول عن الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة أن البرلمان الأوروبي كان قد تبنى قرارًا يدين ما أسماه “الانتهاكات المستمرة للحقوق الديمقراطية الأساسية في مصر”، مطالبًا الحكومة المصرية بإنهاء حملتها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء والأقليات والمجتمع المدني.

وهكذا يجري جر مصر لمستنقع التغريب والعلمنة التي قد تكون ثمنا سيدفع للغرب بجانب مكافحة الهجرة والارهاب مقابل الإبقاء على السيسي.