ينتمى المحامي محمد الدماطي، الذي توفي مساء الإثنين، إلى اليسار حيث كان عضوًا بارزًا في حزب التجمع، إلا أن انتماءه السياسي لم يمنعه من الدفاع عن الرئيس الشرعي د.محمد مرسي.
وشغل الدماطي منصب وكيل نقابة المحامين السابق وعضو لجنة الحريات، بواحدة من أعرق منابر الرأي والحقوق في مصر، وعضو هيئة الدفاع عن “مرسي”.
وعوضًا عن موقفه المشرف في تبني رأي يخالف توجهه ويوافق نزاهته بالدفاع عن أحد الإخوان المسلمين، الذين يمثلون عدوًا تاريخيًّا لليسار في مصر، إلا أن الدماطي رفض الدفاع عن مبارك ورموزه، معتبرًا أن نظام مبارك كان كله من الفاسدين والحرامية، كما كان محامي الشهداء في قضية قتل المتظاهرين في ثورة يناير.
الشيء العارض أن “الدماطي” و”مرسي” ينتميان لمحافظة الشرقية، حيث تقام صلاة الجنازة عليه ظهر الثلاثاء بقرية “بنتيت” بمركز مشتول السوق محافظة الشرقية.
المستشار محمد سليمان، نجل القاضي أحمد سليمان وزير العدل السابق بحكومة الدكتور هشام قنديل، اعتبر أن الدماطي محامٍ حر قدير وصادع بالحق في أزمنة النخاسة، معربًا عن يقينه بأن جهره بالحق وانتصاره للمظلومين سيكون له شفيعًا عند الله عز وجل.

وتداول عدد من المحامين والنشطاء خبر وفاة الدماطي على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، وأشار النشطاء إلى أن “الدماطي” هو محامي أسعد شيخة، المتهم الأول في قضية قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية في عهد الرئيس محمد مرسي، كما أنه محامي الرئيس مرسي في نفس القضية التي برأت فيها المحكمة الرئيس مرسي من اتهامات بالتحريض والمساعدة في قتل المتظاهرين.
وسجل التاريخ للدماطي دفاعه عن الرئيس والإخوان باعتبارهم غير متورطين في الاتهامات الموجهة إليهم، وأنه بحسب قوله “لا أتقاضى أي أجر في هذه القضية وذهبت للدفاع عن المتهم الأول أسعد شيخة بدون مقابل، وهذا هو ما أفعله منذ خمسة وأربعين عامًا، لا أسال عن انتماء أي متهم ولا حزبه السياسي”.
حوارات وقضايا
وفي حوار مع أحد شهود قضية فض رابعة، وقف الدماطي أمام المستشار حسن فريد، المعروف بعدائه للإخوان، وليؤكد له أنه شارك في اعتصام رابعة رغم أنه يساري، جاء ذلك خلال مناقشة “الدماطي”، لأحد الشهود الذي قال إن أسطوانتي غاز انفجرتا داخل الاعتصام، فرّد “الدماطي”: “أنت كنت هناك؟”، فأجابه: “لا. لكن زملائي من الحقوقيين الذين جرى الاعتداء عليهم داخل الاعتصام أخبروني، وحضرتك تعلم ما كان يدور هناك، لأن كان معك تصريح دخول وخروج، ووقفت على منصة رابعة”.
وتدخل حسن فريد لصالح الشاهد ضابط الأمن فيقول: “أنا أول مرة أعرف إنك من المساندين والمعتصمين برابعة”، فردّ “الدماطى”: “وتوجهت إلى ميدان رابعة العدوية لمناصفة الاعتصام وثورة 25 يناير”.
القضاء اللامستقل
وكان الدماطي- رحمه الله- من أبرز من كانت لهم رؤية واضحة وعلانية في اتهام القضاء الشامخ بشموخه، ففي أعقاب إطلاق سراح مساعدي العادلي كشف الدماطي عن وجه العدالة الغائب بالتحكم في القضاء، وعلى رأسهم القاضي أحمد رفعت، مندوب المجلس العسكري في القضية، ويعلن بكل وضوح أن الحكم الذي أصدره على رموز النظام السابق يؤكد أن القاضي أحمد رفعت الذي نطق بهذا الحكم لم يقرأ هذه الأوراق جيدًا، مؤكدًا أن هذا الحكم جاء في صالح النظام السابق.
وأكد “الدماطي” أن المستشار أحمد رفعت وأعضاء الدائرة أطلقوا النيران على ثورة 25 يناير المجيدة، مؤكدًا أن هذه المسدسات ستخيب طلقاتها لأن الشعب المصري واعٍ لثورته.
وكشف الدماطي– رحمه الله- أن هناك اتفاقًا مسبقًا ضمنيًّا بين أطراف بعينها على ألا تكون هناك محاكمة لرموز النظام السابق، لكن هذه المحاكمة التي عقدت في يونيو 2012، أتت نتيجة لهذا الضغط الشعبي الذي تواجدت في ميدان التحرير وفي كافة الميادين، وكانت الغضبة الرئيسية هي أن عقدت محكمة شعبية في ميدان التحرير، كان يرأسها المستشار الخضيري، وبعد هذه المحاكمات الشعبية بدأ التحقيق مع مبارك.
ومبكرًا رأى “الدماطي” أن هذه المحاكمة هزلية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، مشيرًا إلى أن المنظومة القضائية المصرية لم تكن مهيئة لاستيعاب هذه النوعية من القضايا.
واستغرب من أن المنظومة القضائية يسبقها سلطة التحقيق، لافتا إلى أن الذي قام بجمع الأدلة وأرسلها إلى النيابة العامة هم المتهمون من الضباط، وبالتالي كيف يتصور أن تكون هذه المحاكمة عادلة أو منصفة.
نعي “الرئيس”
ونيابة عن أسرة الرئيس محمد مرسي، نعى عبد الله، نجل الرئيس، المحامي محمد الدماطي، واعتبره مناضلا وصاحب تاريخ مشرف في الدفاع عن المعتقلين السياسيين، لذلك قدم التعزية إلى الشرفاء من المحامين المصريين.
نعي الثوار
وفي منشور عبر الفيسبوك، كتب سليم عزوز نعيا للمحامي محمد الدماطي، أعرب فيه عن حزنه لتلقيه نبأ وفاة محمد الدماطي، المحامي اليساري المحترم وعضو مجلس نقابة المحامين سابقا، والذي كان إيمانه بحركة الجماهير وبحقها في اختيار حاكمها إيمانا حقيقيا، ولم يكن مجرد شعارات تسقط عند التطبيق.
وأضاف أن الرجل الذي كان عضوا قديما بحزب التجمع التقدمي الوحدوي كان امتدادا لليسار المصري المحترم وللتجربة الوطنية للمحامي الشيوعي أحمد نبيل الهلالي، فدافع عن حرية الرأي والتعبير ضد الاستبداد السياسي، لخصومه قبل تياره، وكذلك كان محمد الدماطي الذي عرفته عن قرب قبل عشرين سنة، محاميا نزيها، وإنسانا نبيلاً.
وتابع: ولم يكن مفاجأة لي أنه في ظل حالة العداء اليساري لحكم الدكتور محمد مرسي قرر أن يكون محاميه الأمين، فيكون نعم المحامي، فلم يخنه بالغيب وقد جاءت الخيانة ممن ينتمي لتياره، ويقدم نفسه على أنه مفكر إسلامي!.
وشدد على أنه بنعي الدماطي إنما ينعى قيمة إنسانية، وقامة وطنية، والوطن في أمس الحاجة إلى أمثاله الذين لم يلبسوا استقامتهم السياسية بظلم.
وسجل سليم عزوز في ختام مقالته القصيرة تقديره للتزامن بين يوم وفاته 28 يناير فقال: “مات الدماطي اليوم، اليوم الحقيقي للثورة المصرية، ويوم جمعة الغضب، وكأنه اختار يوم وفاته بنفسه!.. رحم الله الأستاذ محمد الدماطي، وألهم أهله الصبر الجميل”.