خفّض “البنك المركزي المصري” برئاسة الانقلابي طارق عامر، الفائدة للمرة الأولى منذ نحو عام بنسبة 1% على الإيداع والإقراض.
وقال “المركزي”، في بيان له، إنه خفض قيم الفائدة الرئيسية 1% على الإيداع والإقراض إلى 15.75 و16.75% على التوالي.
وتأتي خطوة خفض قيم الفائدة، رغم ارتفاع معدل التضخم السنوي في البلاد إلى 12.2% في يناير 2019، مقابل 11.1% في الشهر السابق له، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
ومنذ مارس 2018، أبقى المركزي المصري على قيم الفائدة الرئيسية عند 16.75% للإيداع، و17.75% للإقراض، بعد خفضها مرتين بمقدار واحد بالمائة في كل مرة، منتصف فبراير ونهاية مارس من العام الماضي.
ورفع “المركزي” قيم الفائدة الأساسية بنسبة 7% على ثلاث مرات منذ تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016 إلى 18.75% للإيداع، و19.75% للإقراض، لكبح التضخم ودعم القدرة الشرائية للجنيه، قبل أن يخفضها بعد ذلك.
وفي ١٠ فبراير ٢٠١٩ رفعت وزارة المالية تقديراتها المبدئية لمتوسط سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومي، سواء الأذون أو السندات الحكومية إلى 18.6%، من 14.7% في ميزانية السنة المالية الحالية 2018-2019، وهو ما أعطى انطباعًا بزيادة سعر الفائدة.
توقعات للدولار
وقال الخبير والمحلل الاقتصادي مصطفى عبد السلام، في تغريدة على حسابه: إن تخفيض البنك المركزي سعر الفائدة جاء بشكل غير متوقع؛ أغلب التحليلات توقعت تثبيت سعر الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية، مساء اليوم، لأسباب عدة منها: زيادة معدل التضخم في الشهر الأخير، وزيادة أسعار الفائدة على أذون الخزانة في محاولة لإعادة الأموال الساخنة الهاربة، والعمل على زيادة جاذبية الجنيه المصري للاستثمار، خاصة مع وجود توقعات بزيادة سعر الدولار.
لكن يبدو أن للبنك المركزي رأيًا آخر، وأن الدراسات التي قامت بها لجنة السياسة النقدية بالبنك وتتعلق بتوقعات نسبة التضخم ومعدل النمو نصحت بالتثبيت.
تسريبات سبوتنيك
وأوضحت وكالة الأنباء “سبوتنيك” أن أول العوامل المؤثرة في تحديد سعر الفائدة هو معدل التضخم الذي بلغ، في أغسطس الماضي، 14.2%، بالقياس بمعدل أغسطس من العام الماضي، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري، وهو ما يمثل معدلا منخفضا نسبيا وفقا لتطور معدلات التضخم في مصر على مدار العامين الماضيين، بما يسمح بخفض سعر الفائدة، التي تزيد حاليا عن معدل التضخم.
والعامل الثاني المؤثر في قرار سعر الفائدة، هو أعباء الدين العام، التي وفقا لتصريحات صحفية لوزير المالية محمد معيط، أصبحت تكلف الدولة 40% من مصروفات الموازنة العامة، وهو ما يعني أن أية زيادة في سعر الفائدة سيحمل الموازنة العامة أعباء إضافية، وهو ما يعني أيضا أن قرار خفض سعر الفائدة سيكون مثاليا لتخفيف أعباء الدين عن الموازنة العامة.
وقالت سبوتنيك، إنه وفقا لهذين العاملين يبدو خيار خفض سعر الفائدة خيارا صحيحا، من ناحية يتناسب مع معدلات التضخم المتحققة، ومن ناحية أخرى يشجع الاستثمار المباشر، ويزيد الطلب على الإقراض بما يسهم في إنعاش السوق المحلية.
عوامل تقاوم الخفض
وأشارت الوكالة إلى وجود أوضاع مزرية تدفع سعر الفائدة للزيادة، وأول هذه العوامل يأتي من الخارج، متمثلا في ارتفاع سعر الفائدة على نحو غير مسبوق في عدد من الأسواق الناشئة، حيث بلغ 40% في الأرجنتين، و24% في تركيا، ما يعني أن أسعار الفائدة المصرية لم تعد تنافسية.
وهو ما ظهر أثره بخروج خمسة مليارات دولار من السوق المصرية، في الفترة من مايو إلى أغسطس 2018، وفق تصريحات صحفية لمساعد وزير المالية أحمد كوجيك، وكذلك سحب الحكومة المصرية 4 طروحات متتالية لأدوات الدين نتيجة ارتفاع العائد، الذي بلغ 20%.
كما تراجعت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة بمقدار 65 مليار جنيه (3.6 مليار دولار) في الفترة من أبريل إلى مايو 2018 فقط. وتبدو تلك الأرقام مهمة في ظل ارتفاع واضح لتدفقات الاستثمارات غير المباشرة، قياسا بالاستثمارات المباشرة، حيث بلغت الاستثمارات غير المباشرة في الفترة من يوليو 2017 إلى مارس 2018، 16.9 مليار دولار، فيما بلغت الاستثمارات المباشرة في نفس الفترة 6 مليارات دولار، وهو ما يعني أن القسم الأكبر من الاستثمارات الأجنبية سهلة الخروج من الأسواق المصرية، ما يطلق عليه (الأموال الساخنة)، وهي الاستثمارات شديدة الحساسية لتقلبات السوق، التي يمكن أن تخرج سريعا لأنها غير متمثلة في أصول صعبة التسييل.
تعزيز الجنيه
واعتبر تقرير سبوتنيك أن محاولة تعزيز العملة المحلية في مواجهة الدولار، هي العامل الثاني الذي يدفع البنك المركزي لرفع سعر الفائدة، وأن رفع الفائدة على الدولار شكل ضغطًا على الجنيه، ورفع سعر الفائدة على الجنيه أصبح ضروريًا للحفاظ على استقرار العملة، وبالتالي السيطرة على فاتورة الواردات، التي تبلغ نسبتها إلى الصادرات 250%، فضلا عن السيطرة على تكلفة الدين الخارجي، الذي ارتفع من 43.233 مليار دولار عام 2013 إلى 92.64 مليار دولار في يونيو الماضي، وفقا لتصريحات صحفية لوزير المالية الانقلابي محمد معيط.
سعر البترول
وأوضح أنه بارتفاع أسعار النفط وتجاوزها حاجز الـ80 دولارا للبرميل، يزداد الضغط على الجنيه، خاصة وأن أسعار النفط كانت مقدرة في الموازنة العامة لعام 2018/ 2019 بـ67 دولارا للبرميل فقط، وكل دولار ارتفاع في سعر النفط يكلف الموازنة العامة من ثلاثة إلى أربعة مليارات جنيه، ما دفع حكومة لتخفيض توقعاتها لخفض عجز الموازنة من 8.4% إلى 8.6%.
ورغم أن الأسباب المؤدية لرفع سعر الفائدة وخفضها تبدو متعادلة، إلا أن رفع سعر الفائدة بمقدار ضئيل لن يكون له تأثير إيجابي.
وكان البنك المركزي قد رفع سعر الفائدة منذ نوفمبر، بالتزامن مع تحرير سعر الصرف، عدة مرات حتى بلغت 20%، قبل أن يتجه لخفض سعر الفائدة منذ فبراير 2018، استجابة لتراجع معدلات التضخم، إلا أنه عاد لتثبيتها في النصف الثاني من العام الجاري، تحت ضغط رفع الفائدة على الدولار ورفع الفائدة في الأسواق الناشئة.
