الانتهازية الأمريكية لا تفرق بين عربي وعجمي إلا بالرز، فهي لا ترى إلا مصالحها الذاتية حتى لو كانت على حساب الأعراف والقوانين الدولية وانتهاك سيادة الدول، ولكن من يدري فربما تكون قد جنت على نفسها براقش، ويصبح هذا الابتزاز حبل مشنقة يلتف على رقبة المارد الأمريكي، وذلك عندما تبادر الدول المتضررة منه على مدى العقود الماضية بمطالبة واشنطن بالتعويضات، وفقا لمبدأ العين بالعين لينقلب السحر على الساحر، وتتحقق العدالة على وجهها الصحيح.
الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط باتت غير مقبولة من سكانه العرب، وأثبتت الوقائع أن الترسانة العسكرية لأمريكا لا يمكنها فرض أي مسارات سياسية أو عسكرية على الشعوب، وبإشارة بسيطة إلى اليمن والعراق وسوريا وفلسطين، ندرك أن التفوق العسكري الأمريكي هو خيال يراود المنبطحين من الحكام العرب، بالإضافة إلى أولئك الذين تروق لهم تسمية الولايات المتحدة بالدولة العظمى!.
ربما هي دولة عظمى بدعم الإرهاب والانقلابات العسكرية وتدمير الإنسان والإنسانية، ولا شك أن كلمة الإرهاب باتت مرتبطة بعصابات مثل عصابة السفيه عبد الفتاح السيسي، والتي تقوم بتصديره بناء على أوامر أمريكية، وهذا بات من المسلمات للكثير من المتابعين لتطورات المنطقة.

أنقذوا إسرائيل
لكن ورغم العلاقة المشبوهة التي تجمع الحكام العرب بواشنطن، فإن الرئيس الأمريكي ترامب قد خرج عن جزئيات هذه العلاقة، حيث دافع مؤخرا عن ولي العهد الأمير المنشار محمد بن سلمان، في قضية قتل الصحفي جمال خاشقجي، مؤكدا أهمية التحالف مع المملكة بالنسبة لبلاده ولإسرائيل أيضا، وقال ترامب إن إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة من دون السعودية. هل تريدون أن ترحل إسرائيل؟.
إلا أن ترامب وقبل عدة أشهر من تلك الجريمة هاتف سلمان بن عبد العزيز، وأعلن أن السعودية يجب أن تدفع ثمن حماية أمريكا لها، لأنه بدون هذه الحماية لن تكون هناك دولة سعودية خلال أسبوعين فقط، ليأتي ولي العهد السعودي ويعلن أن السعودية تدفع ثمن الأسلحة الأمريكية بالكامل، وأنها لن تدفع ثمن حمايتها، ولا يفوت ترامب أي خطاب إلا ويتطرق إلى السعودية ويقوم بإهانة حكامها جهارا نهارا، لنصل إلى سؤال جوهري ومحوري: هل العلاقة بين الرياض وواشنطن هي علاقة صداقة أم ابتزاز؟ وهل يطبق ترامب قواعد الابتزاز مع الجميع أم مع العرب وحدهم؟.
وفي قضية مقتل خاشقجي يطرح المراقبون سؤالا: هل ستوقف واشنطن وأوروبا بيع السلاح للسعودية.. أم هو ابتزاز؟ وعلى غرار السعودية طالب ترامب دول الاتحاد الأوروبي لكي تدفع مقابل حمايتها العسكرية، قائلا: “أوروبا عليها أن تدفع حصة عادلة من أجل حمايتها العسكرية، فقد تم استغلالنا لسنوات طويلة على صعيد التجارة، وبعدها لا يقدمون التزاماتهم العسكرية عبر الناتو، الأمور يجب أن تتغير سريعا”، وجاء الرد من رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، فلاديمير شامانوف، بعد الإعلان عن تعزيز بلاده التعاون العسكري مع أوروبا، بما في ذلك ألمانيا، رغم أساليب “الابتزاز” التي تنتهجها واشنطن.
وطالب وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الاتحاد الأوروبي بـ”المقاومة وعدم الخضوع للابتزاز” مع الولايات المتحدة. واندلعت أزمة تجارية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، حين فرضت الإدارة الأمريكية تعريفات جمركية مرتفعة على واردات الصلب والألمونيوم القادمة من الاتحاد، وردَّ الأخير بفرض تعريفات مضادة على منتجات أمريكية أبرزها الجينز.
موارد الابتزاز
في حادثة تفجير أبراج التجارة العالمية، في 11 سبتمر عام 2001م في مدينة نيويورك، عندما استيقظ العالم في صبيحة ذلك اليوم على رائحة دخان تلك الأبراج، وعلى مشاهد تعابير وجه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، والتي كانت انعكاسا طبيعيا لمدى ضخامة الحدث وعظم الفاجعة.
ورغم التعجب من السرعة المذهلة والمريبة التي أبداها المحققون الأمريكان في معرفة هؤلاء الأشخاص، وكيفية التحقق من جنسياتهم، والشكوك التي دارت حول القدرة على تنفيذ هذا العمل الضخم من دون معرفة الجهات الاستخباراتية في الولايات المتحدة بذلك، إلا أن التساؤل الأبرز حينها كان يدور حول ردود الفعل الأمريكية تجاه هذه التفجيرات، وكيف سيكون تعاملها مع الدول التي يحمل أولئك المفجرون جنسياتها.
وفيما النقاش يدور بين المراقبين والسياسيين حول العالم حول هذه التفجيرات وتوقعات ردود الأفعال، قال أحدهم: “إن السلطات الأمريكية ستضع ملف الأشخاص الحاملين للجنسية السعودية على الرف ليتم استدعاؤه متى اقتضت المصلحة الأمريكية ذلك”.
ولا يحتاج فهم المواقف الأمريكية الداعمة لكيان العدو الصهيوني إلى كبير عناء لدى كل صاحب بصر وبصيرة، أو كل مطلع على تاريخ الصراع الإسلامي الصهيوني، ذلك أن هذا الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان واضح، ومنذ زمن بعيد، وبات من بديهيات المواقف الأمريكية التي غالبا ما تكون أشد تطرفا في عدائها للقضية الفلسطينية من الموقف الصهيوني ذاته.
المقاومة ترفض
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن القرار الأمريكي بوقف تمويل “الأونروا” يأتي عمليًا بعد الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهو ما يمثل حسب قادة الاحتلال وأمريكا إزالة قضية القدس من طاولة المفاوضات، فإن ذلك يعني أن الإدارة الأمريكية تحاول الآن شطب حق العودة الذي ينص عليه القرار رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة، في عام 1948.
وينص القرار على “وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وكذلك عن كل فقدان، أو خسارة أو ضرر للممتلكات، بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقا لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان، أو الخسارة، أو الضرر من قبل الحكومات، أو السلطات المسئولة”، مع العلم أن قبول “إسرائيل” بالقرار 194 كان شرطًا لقبولها في عضوية الأمم المتحدة!.
من جانبها، نددت حركة المقومة الإسلامية “حماس” بهذا “الابتزاز” الأمريكي، وتعني هذه الخطوة بكل وضوح أن واشنطن تسعى إلى إفراغ أي مفاوضات محتملة بين صهاينة الاحتلال والفلسطينيين من محتواها، وتحويلها إلى مجرد استعراضات سياسية، وحوارات عبثية، تعيد إلى الأذهان مفاوضات أوسلو الميتة التي جرّت القضية الفلسطينية إلى متاهات خطرة.
وإذا ما ربطنا بين قرار الإدارة الأمريكية إلغاء جزء كبير من مساعداتها للفلسطينيين، واقتطاع أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وغزة إلى مشاريع في أماكن أخرى، نستطيع القول إن ما تقوم به الولايات المتحدة حيال القضية الفلسطينية العادلة، ليس سوى ابتزاز سياسي، الهدف منه الضغط على الشعب الفلسطيني، للقبول بما تمليه المصالح الصهيونية.