صفعة قوية تلقاها اللوبيان الأمريكي والصهيوني داخل أروقة الأمم المتحدة، فجر الخميس 7 ديسمبر 2018، خلال التصويت على مشروع قرار أمريكي يقضي بإدانة المقاومة الفلسطينية، ممثلة في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فرغم النشاط الموسع داخل الغرف المغلفة لإغواء الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن النتيجة مثّلت صفعة قوية للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، وأظهر التصويت دعمًا للقانون الدولي، مؤكدًا مشروعية المقاومة الفلسطينية وحقها في مقاومة الاحتلال اتساقًا مع القانون الدولي والشرائع الدينية والأخلاقية على حد سواء.
دروس مستفادة
“حماس ليست إرهابية”.. كان هذا نتاج تصويت دول الأعضاء في الجمعية العامة على مشروع القرار الأمريكي المقدَّم لإدانة حركة “حماس”، بعد أن فشل في الحصول على موافقة ثلثي الأعضاء، وجاءت نتائج التصويت على النحو التالي: 87 دولة صوّتت لصالح المشروع، وعارضته 57 دولة، في حين امتنعت 33 أخرى عن التصويت، ليفشل بسبب عدم حصوله على موافقة أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة.

ويمكن رصد الدروس التالية من القرار:
أولا: بهذه النتائج يوجه المجتمع الدولي ضربة قاسية وموجعة لـ”إسرائيل” وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وينتصر مجددا لصالح فلسطين ودعم مقاومتها، حسبما قرأه المراقبون والمحللون السياسيون.
وفي أول رد من قبل “حماس”، اعتبرت الحركة فشلَ المشروع الأمريكي صفعة لإدارة ترامب، وقال القيادي في “حماس”، سامي أبو زهري، في تصريح مقتضب على حسابه في “تويتر”: إن “الفشل يؤكد شرعية المقاومة، ويمثّل دعمًا سياسيًا كبيرًا للشعب والقضية الفلسطينية”.
كما اعتبر بيان لحركة “حماس” أن “فشل الإدارة الأمريكية في تمرير هذا القرار بمثابة انتصار كبير للحق الفلسطيني، وللحاضنة العربية والإسلامية، ولأحرار العالم، ولمحبّي الشعب الفلسطيني، وفشل ذريع لسياسة الهيمنة والعربدة الأمريكية، وهزيمة مدوية للإدارة الأمريكية وسياساتها في المنطقة”.
ثانيا: الدرس المهم للغاية هو ما صدر عن حركة “فتح”، التي تختلف مع “حماس” في الكثير من الملفات؛ أبرزها “المفاوضات والمصالحة والتنسيق الأمني”. وقال نائب رئيس “فتح”، محمود العالول: إن “فشل مشروع القرار الأمريكي انتصار فلسطيني كبير، وتأكيد أن التناقض (العالمي) هو مع دولة الاحتلال وحلفائها، وأننا نقف صفا واحدا في معركة البقاء والصمود حتى تحقيق كل تطلعات شعبنا”.
ثالثًا: جاء موقف الكويت مشرفًا، وأسهمت في إحباط مشروع القرار الأمريكي، وفي تحرك إجرائي طلبته الكويت، وافقت الجمعية المؤلفة من 193 دولة بفارق بسيط على ضرورة أن تكون الموافقة على مشروع القرار بأغلبية الثلثين وليس بأغلبية بسيطة. بينما جاء الموقف السعودي متناقضًا إذ صوت ضد القرار، لكنه في ذات الوقت أدان صواريخ المقاومة وكأنه يقول “ندعم المقاومة بشرط ألا تقاوم الاحتلال”!.
رابعا: يرى بعض المحللين أن قرار الأمم المتحدة أنهى بشكل رسمي سياسة التفرد الأمريكية والإسرائيلية على توجّهات وتحركات المجتمع الدولي في القضايا الحساسة بالمنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فالقرار مثّل رفضًا للابتزاز والتهديد الأمريكي الذي كان يُمارس عليها منذ سنوات طويلة، وقرار التصويت الأخير ضد مشروع إدانة “حماس” شكّل نقلة نوعية في وعي وتحدّي المجتمع الدولي، ودعمه لأبرز قراراته التي تُشرّع مقاومة المحتل بكل الوسائل.
وكانت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، قد حذّرت، الخميس، الدول الأعضاء بالجمعية العامة من عدم التصويت لصالح المشروع الذي ستقدّمه واشنطن، وقالت في تغريده على حسابها عبر موقع “تويتر”: “إذا فشلت الأمم المتحدة في القيام بذلك (التصويت لصالح القرار) فإن عدم مصداقيتها ستكون على المحك”.
ويُعدّ هذا التهديد الأمريكي هو الثاني من نوعه؛ ففي الأول من الشهر الجاري هدّدت واشنطن، في بيان وزّعته بعثتها الدائمة لدى المنظمة الدولية، بأنه لن يكون هناك أي دور للأمم المتحدة في مفاوضات السلام إذا لم تبادر الجمعية العامة باعتماد مشروع قرارها الخاص بإدانة حماس.
خامسا: يمثل رفض الأمم المتحدة إدانة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الصفعة الثالثة للصهاينة خلال أقل من شهر واحد؛ حيث تمكنت المقاومة الفلسطينية خلال نوفمبر الماضي 2018 من إجبار الاحتلال على وقف عدوانه بعد أن قصفت المستوطنات بأكثر من 400 صاروخ في يوم واحد، ما أدى إلى انشقاق الحكومة الإسرائيلية، واستقالة أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الصهيوني، الذي اعتبر وقف الحرب انصياعًا وهزيمة أمام حركة حماس. كما تمكنت قبلها من إحباط عملية تسلل لفرقة تجسس صهيونية وقتلت ضابطا وأصابت آخرين، ما ممثل ضربة موجعة لقدرات جيش الاحتلال ومخابراته.
سادسا: يذهب البعض إلى أن القرار الأمريكي كان فخا؛ فرغم أن واشنطن كانت تعلم أن قرارها لن يمرر إلا أنها أصرت على طرحه لأهداف تتعلق بمعرفة خريطة الدعم الدولي للمقاومة الفلسطينية والقضية عموما؛ من أجل ممارسة مزيد من الضغوط وكسب مزيد من الأنصار لصالح الصهاينة خلال المرحلة المقبلة، كذلك يمثل اختبارًا للدول العربية التي تربطها علاقات قوية بالكيان الصهيوني، ووضعها في موقف محرج أمام شعوبها، واختبار مدى قدرة هذه الأنظمة على تحدي شعوبها.
فحصول القرار الأمريكي على “87” صوتا شيء لا يمكن الاستهانة به، ما يتوجب معه تحركات فلسطينية جادة نحو إقناع هذه الدول بأنها بذلك ترتكب جريمة أخلاقية وقانونية، واستخدام الدول الداعمة للمقاومة سلاح المصالح لكسب مزيد من الأنصار لصالح القضية.