كما كان متوقعًا شهد تصنيف الجيش المصري، في تقرير “جلوبال فاير باور” الأمريكي، تراجعًا عالميًا بين أقوى الجيوش، وحل بالمرتبة الـ12 عالميا، وربما كان ذلك طبيعيا بعدما سمع العالم بأذنيه أحد قادة هذا الجيش مرددا عبارة “رائد مقاتل.. قائد خط الجمبري”، معرفا نفسه ومستفيضا في شرح أنواع الجمبري, ثم تبعه مقدم مقاتل قائد خط السمك الذي أخذ يشرح أيضا عبوات السمك البلطي وغيره, هذا المشهد كان على الهواء مباشرة أثناء افتتاح السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مزرعة عسكرية سمكية, المشهد كان صادما للمصريين, بعد أن تخلى جيشهم عن حمايتهم وتحول إلى تربية السمك والجمبري.
ويعتمد تقرير “جلوبال” على عدة عوامل في التصنيف، أهمها القدرة على حشد الأفراد والاستقرار الاقتصادي للدول، بالإضافة إلى العوامل الجغرافية والقدرات الجوية والبحرية لجيوش 136 دولة، يتضمنهم التقرير السنوي العالمي، ويتحدث مراقبون عسكريون عن نية رجل الصفقات الأمريكية “ترامب” في توريط الجيوش العربية في حرب عصابات منهكة مع تنظيمات صنعتها بلاده ودعمتها ومولتها بالأسلحة والعناصر البشرية؛ وعلى رأسها تنظيم داعش؛ بهدف إضعاف هذه الجيوش وتفكيكها، وعلى رأسها الجيش المصري.
انقلاب على الشرعية
بانقلاب عسكري على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، دشن السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وبمسرحية انتخابية بدت هزلية في نظر كثيرين؛ الفترة الأولى لاغتصابه السلطة، وبانتهائها دشن فترة ثانية بمسرحية انتخابية اعتبرت أكثر هزلية، والقاسم المشترك بين السنوات الخمس الماضية هو تعزيز قبضته على كافة السلطات في البلاد.
لم يدر بخلد أي من عشرات الملايين الذين انتفضوا بمصر ثائرين في 25 يناير 2011 ضد رئيس عسكري، أن حكم البلاد سيؤول في المطاف الأخير إلى عسكري آخر أشد قسوة يؤسس لديكتاتورية جديدة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، لكن هذا ما حدث، وأعيت الحالة الباحثين في التاريخ المصري الحديث والقديم عن وضع مشابه أو حتى قريب الشبه لما فعله ويفعله السفيه عبد الفتاح السيسي، فلم يجدوا لها مثيلا؛ فالطبعة الجديدة فريدة في كل تفاصيلها، وتتميز بأنها تجمع كافة مساوئ ما سبقتها من فراعنة ومماليك وعسكر، حتى بات البعض يترحمون على ديكتاتوريات سابقة، متمنين يوما من أيامها.
خط الجمبري
لم يتصور المصريون أن يأتي اليوم الذي يستمعون فيه لأحد ضباط الجيش يقف منتشيا أمام السفيه السيسي ليعلن أمامه أنه “قائد مقاتل خط الجمبري”، وهي إهانة للجيش لم يسبق لها مثيل، وما بين ضابط يقف منتشيا بإنزال العلم المصري من على الأرض المصرية في تيران وصنافير، وضابط آخر يعلن أنه قائد مقاتل خط الجمبري، تتكشف حقيقة التدريبات التي تداولها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، لضباط من القوات المسلحة، وهم يتدربون في الماء على أغنية “في البحر سمكة”.
أذرع الانقلاب باتت ترى أن تفكيك الجيش وتغيير عقيدته القتالية، وتحويله إلى جيش منتج للجمبري والملوخية وكعك العيد، يدعم صراع مؤيدي شرعية الرئيس محمد مرسي ضد سفيههم السيسي، وبات يقال الآن إن جماعة الإخوان التي تقود الحراك ضد الانقلاب، تجد مُتَنَفساً فيما يفعله السفيه السيسي الذي يُمدُّهم كل يومٍ بمادةٍ للإساءة ويُصِّرُ على تأكيد العسكرة بشكلٍ لم يحدث إلا في مقدمات هزيمة عبد الناصر في 67 .
وأقحم الانقلاب الجيش المصري في العديد من المشروعات في مجالات متنوعة، بعضها يتعلق بإنتاج المواد الغذائية والإسكان والتعمير والكهرباء والحراسة، كما أسندت إليه مؤخرا مسؤولية منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز، الأمر الذي لم يجد اعتراضا في الإعلام رغم أن هذه المشاريع من المفترض أن تخضع لمختلف الوزارات المدنية.
استحواذ على كل شيء
كما بدأت هيئات الجيش تنافس المؤسسات والهيئات الحكومية الأخرى في تنفيذ مشروعاتها الخاصة، وتحصل كل مصانع الجيش وشركاته على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما يتضمن إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت؛ الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها.
وخلال خمسة أعوام من انقلاب السفيه السيسي، حصل الجيش رسميا على حق استغلال الطرق في عموم البلاد لمدة 99 عاما، كما بدأت سياراته تنتشر في الشوارع لبيع المواد الغذائية، ومؤخرا دخل الجيش على خط المنافسة في بيع مكيفات الهواء وتوريد الدواء للجامعات.
وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، تعالت الأصوات المطالبة بالحد من الأنشطة الاقتصادية للجيش، إلا أن هذه الأصوات بدأت تنخفض، ولا سيما مع سيطرة المخابرات الحربية على الإعلام الذي يبرز الجيش في صورة المنقذ من الإسلاميين، دون أن ينتقد أحد سيطرته على كل هذه المشروعات أو يتحدث عن مهمته الأساسية في حماية البلاد وتأمين حدودها.
ويدق تقرير “جلوبال فاير باور” الأمريكي ناقوس الخطر، لأن دور الجيش المصري أن يحمى بكفاءةٍ كل أنشطة الدولة المدنية.. لا ينافسها؛ لأنها ستكون منافسة غير عادلةٍ بأي حالٍ، فضلا عن أن ممارسات جنرالات الانقلاب باتت تخدش نقاء الصورة الذهنية للجيش.