كشفت تقارير حقوقية موثقة عن تدهور خطير للأوضاع داخل سجن أبو زعبل شمال القاهرة، حيث تجاوزت أعداد المحتجزين القدرة الاستيعابية بأضعاف، في ظل ظروف معيشية وصحية وصفت بـ"غير الإنسانية".
ووفق شهادات محامين وحقوقيين، فإن الزنازين المخصصة لـ12–15 شخصًا باتت تضم ما لا يقل عن 45 محتجزًا، ما يجعل نصيب الفرد من مساحة النوم لا يتجاوز 40 سنتيمترًا على الأرض. هذا الاكتظاظ أدى إلى حالات اختناق وانتشار أمراض جلدية، بينما تجاهلت مصلحة السجون مناشدات إدارة السجن بعدم استقبال معتقلين جدد.
بيئة خصبة لانتشار كورونا
أفادت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" بتوثيق ارتفاع إصابات فيروس كورونا داخل عنبر "أ" بسجن أبو زعبل 2، وسط غياب العزل الطبي للحالات وحرمان المصابين من العلاج اللازم. ويعتمد المعتقلون المرضى على ما تجلبه أسرهم من أدوية خلال الزيارات الشهرية، فيما يحوّل التكدس الكبير الزنازين إلى بؤرة مثالية لانتشار العدوى.
وأشارت التقارير إلى ظهور إصابات سواء بالمتحورات السابقة أو الأحدث عالميًا مثل "نيمبوس"، مع أعراض تقليدية كالسعال والحمى وفقدان الشم والتعب، إلى جانب أعراض غير نمطية. ورغم أن الوضع لم يصل إلى مستوى جائحة 2020، إلا أن عودة هذه الأعراض تؤكد أن الفيروس لا يزال حاضرًا بقوة.
جدير بالذكر أن وزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية لم تسجلا حتى نهاية سبتمبر 2025 دخول متحور "نيمبوس" إلى مصر، في ظل وجود منظومة ترصد وبائي قادرة على رصد المتغيرات الجديدة.
تكدس غير مسبوق
كشف تقرير حقوقي أن عدد المعتقلين في عنبر "أ" وحده تجاوز 1100، أي أكثر من ضعف الطاقة الاستيعابية. كما وصل عدد المحتجزين في غرف "الإيراد" (المخصصة لاستقبال المعتقلين الجدد) إلى نحو 80 شخصًا، ما دفع إدارة السجن إلى إحالة معتقلين جدد إلى سجني العاشر من رمضان ووادي النطرون.
وتبلغ مساحة الزنزانة في أبو زعبل نحو 5×9 أمتار فقط، ورغم ذلك تضم 45 شخصًا على الأقل، في ظروف وصفها الحقوقيون بأنها "غير آدمية وخطيرة".
إهمال طبي ومعاملة قاسية
رصدت منظمات حقوقية استمرار سياسة الإهمال الطبي داخل السجن، حيث لا يُسمح للمعتقلين بالذهاب إلى العيادة إلا بعد تقييدهم بالكلبشات، في إجراء اعتبرته تقارير حقوقية "قاسيًا ومهينًا".
كما تلقت الشبكة المصرية استغاثات عديدة من أسر المعتقلين، محذّرة من أن استمرار الأوضاع الحالية يشكّل تهديدًا مباشرًا لحياة المحتجزين، وانتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
تقرير مايو 2025: حياة المعتقلين في خطر
وكان مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" قد أصدر في مايو 2025 تقريرًا أكد فيه أن سجن أبو زعبل يشهد تهديدًا مباشرًا لحياة المعتقلين، مطالبًا بفتح تحقيق مستقل والسماح بزيارات حقوقية للسجن.
ورصد التقرير جملة من الانتهاكات أبرزها:
-
تدهور صحي عام وانتشار للأمراض في ظل نقص الأطباء والأدوية ومنع تحويل الحالات الحرجة للمستشفيات.
-
حملات تفتيش تعسفية متكررة للزنازين بهدف التكدير، مع مصادرة وإتلاف متعلقات المعتقلين.
-
تزايد الإيداع في غرف التأديب بلا أسباب واضحة، وسط ظروف قاسية بلا إضاءة أو مرافق صحية.
-
سوء معاملة للمعتقلين وأسرهم أثناء الزيارات، تصل إلى التفتيش المهين وسرقة محتويات الزيارة.
-
انقطاع متكرر للكهرباء والمياه، ورداءة الوجبات من حيث الكمية والجودة.
-
اكتظاظ غرف التأديب بما يصل إلى 50 شخصًا في غرفة واحدة، وتعرض المعتقلين لمخاطر صحية بسبب الأجهزة الأمنية والبوابات الإلكترونية.
أزمة أوسع في السجون المصرية
لم يقتصر التكدس على أبو زعبل وحده، إذ تعاني معظم السجون المصرية من الظروف ذاتها، ما يعكس أزمة أعمق في ملف الاحتجاز بمصر. وتثير هذه التطورات تساؤلات جدية حول التزام السلطات بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، في وقت تتزايد فيه المطالبات المحلية والدولية بتدخل عاجل لوقف التدهور وإنقاذ حياة الآلاف من المعتقلين.