أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من منصبه، وأوضح أنه وصل إلى طريق مسدود في محاولته لحل الأزمة السياسية الراهنة.
يأتي هذا بينما تستمر الاحتجاجات في البلاد، وقد وقعت مواجهات في بيروت بين معتصمين وشباب حاولوا فتح أحد الطرق، وتدخلت القوى الأمنية لفض المواجهات.
فما تأثير استقالة الحريري على مواقف كل القوى السياسية اللبنانية في مواجهة شارع يطالب بالتغيير؟ وما المسارات المحتملة للأزمة الراهنة في لبنان بعد استقالة الحكومة؟
وبحسب تقرير بثته قناة “الجزيرة”، سلّم سعد الحريري خطاب استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية إلى الرئيس ميشيل عون، وغادر القصر الرئاسي دون الإدلاء بأي تصريح، وقبلها قال إنه أصبح من اللازم عمل ما سماها “صدمة كبيرة” لمواجهة الأزمة الراهنة بعد إخفاق جهوده لحلها.
ودعا الحريري القوى السياسية اللبنانية إلى العمل على حماية البلاد والنهوض باقتصادها، مشيرا إلى وجود ما وصفها بفرصة جدية يجب ألّا تضيع، وقد دعا تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري إلى الامتناع عن أي تحرك اعتراضي في الشوارع.
فعلها الحريري، تقدم باستقالته في اليوم الثالث عشر لأكبر حراك شعبي تشهده البلاد عبر تاريخها، ولا تعرف على وجه قاطع السيناريوهات التي اقترحها الرجل لتفادي ما يعتبره اللبنانيون شللا حكوميا مرتقبا، إلا أن مصادر حكومية مقربة منه قالت إنه اقترح 3 مخارج سياسية للأزمة، قوبلت بالرفض من رئيس الدولة ميشيل عون.
أول هذه المخارج إعادة تدوير الحكومة برئاسته، على أن يضخ فيها دماء جديدة ويخرج منها وزير الخارجية جبران باسيلي، والثاني تشكيل حكومة تكنوقراط، والثالث تشكيل حكومة حزبية مصغرة برئاسته، على أن يخرج منها الوزراء والنواب الذين يوصفون بنواب التصعيد.
تؤكد المصادر أن الرئيس ميشيل عون رفض المقترحات جميعها، وكان قد حذر سابقا من أي فراغ دستوري أو سياسي، وقال إن الحل يتطلب وقتا، ولا يمكن أن يحدث إلا من داخل النظام بإصلاحه وبالحوار، وهو ما رفضه جزء من الشارع اللبناني الذي يأخذ على النخبة الحاكمة ما يقول إنه فساد لا سبيل لمعالجته إلا باستبدالها بأخرى، وتغيير الأسس التي قام عليها النظام في لبنان منذ مؤتمر الطائف قبل نحو 30 عاما، وهو نظام قائم على المحاصصة.
الشارع نفسه رفض ما أعلنه الحريري من إصلاحات وصفت بالجذرية، وتضمنت التوقف عن فرض ضرائب جديدة، وتخفيض رواتب الرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين، إضافة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية أخرى.
وتنقسم هذه النخبة إلى تيارين عريضين، يشكل الرئيس عون وحزب الله وحركة أمل أحدها، بينما يتمثل التيار الثاني في تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية.
وليست هذه المرة الأولى التي تصل الأزمات السياسية في لبنان إلى عنق الزجاجة، لكنها الأولى ربما التي تجد فيها كافة القوى السياسية نفسها في مواجهة شارع يريد تغييرها كلها، ونسف الأسس التي قامت عليها، وهو ما دفع لبنانيين إلى وصف ذلك بالمغامرة الوجودية الكبرى التي من شأن نجاحها- لو حدث- اقتراح صورة جديدة لمفهوم الدولة اللبنانية، قد لا يتقبلها كثيرون بارتياح، بل قد يعمدون إلى مقاومتها بأخشن الوسائل الممكنة، فهل ما حدث اليوم في وسط بيروت رسالة بالغة الخشونة عما ينتظر البلاد لو ظل الشارع على موقفه معطوفا على شلل حكومي قد يطول كثيرا؟.
