سؤال: لماذا يتبنّى “ماسبيرو” جرثومة أخلاقية مرفوضة شعبيًّا مثل “محمد رمضان”؟

- ‎فيتقارير

الإسفاف بالأمر هو عنوان المرحلة، بعدما زعمت نائلة فاروق، رئيسة تلفزيون حكومة الانقلاب، الذي تسيطر عليه المخابرات العامة التي يديرها اللواء عباس كامل، أن “محمد رمضان” الشهير بـ”السرسجي”، يتمتع بشعبية جارفة، فهل يتوقع المصريون أن تظهر أسماء طفت في الآونة الأخيرة فوق بركة الإسفاف التي تعلوها طحالب الموهبة في كتب وزارة التربية والتعليم، من أمثال “نمبر وان” و”شاكوش” و “شطة” و”حمو بيكا”؟

وتقرأ “فاروق” من الورقة المخابراتية التي أعطيت لها، فتقول: “رغم صغر سنه، إلا أنه أصبح واحدا من شباب مصر الموهوبين، واستضافته على شاشة التلفزيون المصري مكسب جماهيري كبير، وفى إطار دعم الفن المصرى”!.

مكسب كبير

رئيسة تلفزيون حكومة الانقلاب انخرطت في تمجيد فاسد ضحل الموهبة وربما عديمها، بحسب التعليمات التي تلقتها عبر رسالة واتس من تليفون سامسونج، وزعمت أن السرسجي محمد رمضان الذي ترعاه وتدعمه المخابرات، حتى إنها أطلقت عليه لقب “نمبر وان”، قد “ضرب أروع الأمثلة عندما أصر على تأدية الخدمة العسكرية”، فهل الأصل أن يتخلّف رمضان عن الخدمة الإلزامية؟!.

ودخلت “فاروق” في فاصل من الهذيان عندما قالت: إن رمضان أظهر من الانتماء لهذا الوطن الكثير مما كان له الأثر البالغ كرسالة واضحة لكل شاب مصري يغلب المصلحة الوطنية فوق أي مصالح أخرى”، فهل تتفضل معاليها وتتكرم في كشف ما قدمه رمضان للوطن سوى الظهور عاريا ببلوزة حريمي شفافة على المسرح.

وختمت نائلة فاروق وصلة المديح المخابراتية في السرسجي “محمد رمضان”، بالقول إنه: “ابننا، فهل عندما يخطئ ابنك تتركه وشأنه أم تحاول معالجة الأمر وتصحح له أخطاءه؟ وهو دور الإعلام الإيجابي والوطنى فى معالجة الأمور وتصحيح الصورة”. والعجيب أن هذا المبدأ لا يطبق على 100 ألف معتقل في سجون السفيه السيسي، لا خطأ لهم إلا أنهم قاوموا الانقلاب الذي ينضح برمضان وأمثاله.

من جهته، يقول الكاتب عصام بدوي: “في الوقت الذي نتمنى فيه عودة ماسبيرو لكامل قوته وسحره الذي ما زال في الوجدان، يصدمني هذا الخبر الذي أعلن عنه منذ ساعات باستضافة التلفزيون المصري لمحمد رمضان، وكما يطلق على نفسه “نمبر وان”.

ويضيف بدوي بحسرة: “أي تطوير هذا الذي يتبنى جرثومة وآفة أصابت المجتمع مؤخرًا ونخرت في عصب أخلاقه ليصبح النجاح مبنيًّا على البلطجة والعري والإسفاف؟”.

وطرح تساؤلًا بالقول: “كيف يتم تقديم هذا النموذج على أنه قدوة للأجيال المقبلة.. في الوقت الذي تم فيه الاحتفاء بالسير الدكتور المصري العالمي مجدي يعقوب في دولة الإمارات؟”.

وتابع بدوي: “أليس من الأولى تقديم بروفيسور القلوب كقدوة حقيقية لأولادنا ولنا.. قدوة اعترف بها العالم أجمع ولم يعترف بها ماسبيرو وتلفزيون بلاده ضمن خطة تطويره.. وكأنها خطة ممنهجة لتدمير هذا المجتمع وضربه في أجياله المقبلة”.

مشددا على أن “ماسبيرو الذي يحمل التاريخ بين أروقته من ثورات وأحداث غيَّرت مجرة العالم بكل تفاصيله.. ماسبيرو الذي قدم قامات غيرت في تاريخ الفن والعلم والفقه والسياسة.. تتمحور خطة تطويره على محمد رمضان.. عجبت لك يا زمن!”.

وختم بالقول: “أرجو أن تقاطعوا كل ما يتسبب في انهيار هذا البلد الذي طالما وما زال يتحدثون عن حضارته وتاريخه في مغارب الأرض ومشارقها.”

بفلوسنا بيحرقوا دمنا

ويتساءل الكاتب الصحفي ناصر جابر قائلا: “يعني إيه وائل الإبراشي يستضيف محمد رمضان الذى أفسد ودمر أخلاقيات المجتمع والشباب في التلفزيون المصري رغم انتقاد الملايين له؟!.. بفلوسنا بيحرقوا دمنا”.

ويُعتبر الممثل الشهير بدور البلطجي، محمد رمضان، الابن المدلل للمخابرات العامة التي تدير المشهد السينمائي والمسرحي والتلفزيوني في مصر، علاوة عن أنه من الأطراف المؤيدة للانقلاب، فقد حظي “رمضان” بدعم غير مسبوق من أجل التسويق له على أنه ثروة شعبية، ووُفرت له الإمكانيات الضخمة لإنتاج أفلام هابطة ونشرها لتدعم ما قام به جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، عندما قال “احنا أي حاجة مابترضيش ربنا بندعمها وبنقف وراها.”

وفرضت شركة “سينرجي” المملوكة للمخابرات، التي يديرها اللواء عباس كامل الذراع اليمنى للانقلاب، سيطرتها شبه التامة على سوق الدراما في موسم رمضان الماضي، وتتجه الشركة لاحتكار الإنتاج السينمائي في عموم الدولة خلال الفترة المقبلة، وهى الجهة التي تنتج أفلام محمد رمضان.

وشنّ الفنان والمخرج جلال الشرقاوي هجومًا حادًّا على رمضان، واصفا ما يفعله الأخير بأنه يُعدّ نوعا من الإرهاب، قائلا له: “نحن نرفض الدم والعنف الذي نقوم بمحاربته، ولا تضف إلى إرهاب الناس إرهابك”.

ووصف الشرقاوي، خلال ندوة تكريمه في مهرجان الإسكندرية المسرحي العربي، الأربعاء، الفن الذي يُقدمه محمد رمضان بـ”المسيء للمجتمع”، معتبرا إياه قدوة مسيئة للشباب.

وأضاف الشرقاوي أن “الأجيال الجديدة تقلّد ما يُقدمه رمضان في أعماله السينمائية والدرامية، من قتل وعنف ودم، مؤكدا أنه “ممثل عادي ومش جامد، ويدخل في تصنيف المتوسط، لا سيما أنه ليس خريجًا من المعهد العالي للفنون المسرحية”.

وطالب الشرقاوي بتوظيف محمد رمضان في خدمة الناس، بعيدا عن القتل والدم والمخدرات، خاصة أن هناك مئات الموضوعات الوارد تقديمها.

ولم تخف شركة “سينرجي فيلمز” نيتها السيطرة على السينما، حيث قالت إنها “ستستمر فى التوسع بالإنتاج السينمائى هذا العام، بعد سنوات من اهتمامها بالدراما التلفزيونية، إلى أن أصبحت الأكبر في مصر”.

سيطرة مخابراتية

وخلال العام الجاري، اتضح أكثر وأكثر سيطرة شركة سينرجي على السوق السينمائية في مصر، عبر إنتاج مجموعة من الأفلام ذات الإنتاج الضخم، والتي استقطبت نجوم الصف الأول، من بينها أفلام “الفيل الأزرق 2″ و”ولاد رزق 2” و”كازابلانكا”، والتي نجحت في تحقيق إيرادات كبيرة بلغت في المتوسط 100 مليون جنيه لكل فيلم.

كما أعلنت الشركة عن مجموعة جديدة من الأفلام بميزانيات ضخمة تضم كبار النجوم، من بينها فيلم “كيرة والجن” الذي يجمع كريم عبد العزيز وأحمد عز، وفيلم “العنكبوت” بين أحمد السقا ومنى زكي، وفيلم “العارف” للنجمين أحمد عز وأحمد فهمي.

وكما امتلأت حسابات نجوم الدراما برسائل الشكوى من توقف صناعة الدراما في مصر، العام الماضي، وتلقيهم تهديدات من جهات “سيادية” بمنعهم من العمل، فقد بدأ العاملون في مجال السينما هم أيضا في الشكوى من البطالة، لتظهر بوادر تأثير احتكار سينرجي على السوق السينمائية.

وخلال الأيام الماضية، عبَّر بعض الفنانين عن سخطهم من الأوضاع في صناعة السينما، حيث كتب المخرج يسري نصر الله، عبر “فيسبوك”، منشورا قال فيه: إنه سيعتزل الإخراج ويبحث عن فرصة عمل “كطباخ بعدما هيمنت الشللية على الوسط الفني في مصر”، مؤكدا أنه يملك خبرة 30 سنة سينما و50 سنة طبخ”.

وردت الممثلة شيرين رضا على منشور “نصر الله” بقولها: “عار علينا كلنا لما الأستاذ يسري نصر الله يكتب بوست زي ده!! عار على كل من احتكر المهنة ووصلنا لهذه المهزلة والمستوى”.

يذكر أنه في الخمسينيات، أدرك أبو الانقلابيين الفاشي الطاغية المعروف، جمال عبد الناصر، أهمية السينما وطبيعة تأثيرها، وصداها الحاشد أكثر من أي بيان إذاعي.

ببساطة، وبعيدًا عن الحشد لأي أيديولوجية ثورية، أراد عبد الناصر بناء جيش قوي، ولم يجد منصة أوسع انتشارًا من النكتة، وبتكليف مباشر من القوات المسلحة بدأت سلسلة “إسماعيل ياسين” في الظهور، والتي تروي نفس الحكاية عن الشاب الذي يجد نفسه في إحدى ثكنات القوات المسلحة، ونتابع معه كمشاهدين لقطات ترويجية صريحة لثكنات هذه القوات.

صحيحٌ أنَّ أفلام إسماعيل ياسين لم تتناول الثورة بأي شكل، إذ لا تتحمل طبيعتها المَرِحة ثِقَلًا كهذا، إلا أنها لفتت نظر عبد الناصر في فعالية السينما كأداة لغسل العقول، ومن ثمَّ في مطلع الستينيات؛ افتتح عبد الناصر المؤسسة العامة للسينما، لتظهر أفلام القطاع العام التي كانت القوات المسلحة هي ممولها الرئيسي.

ظهور محمد رمضان “بلطجي المخابرات” على شاشة تلفزيون حكومة الانقلاب، أيا ما كانت المبررات سيكون سقطة لا يمكن التراجع عنها، وسيكون نذير شؤم على الأخلاق في مصر.