من يوقف استمرار انخفاض أسعار الذهب الأسود? برميله اليوم يهوي إلى ما دون 30 دولارًا وقد لا يكون ذلك نهاية المطاف.
أُطلق على ما يجري اسم “حرب أسعار النفط”، فما هي دوافعها؟ وهل تحقق أهدافها? من الخاسر ومن المستفيد? وهل تلوح في الأفق بوادر هدنة محتملة? حتى الآن ما زالت الكلمة الفاصلة للأسهم الحمراء مؤشرًا على الانخفاض ومزيدًا من الانخفاض.
وبحسب تقرير بثته قناة “الجزيرة”، فإن منطق السوق دائما يقول إن المنتجين دائما يريدون أسعارا عالية لسلعهم، وإن المستهلكين يريدونها رخيصة قدر الإمكان.
ما يجرى في عالم النفط اليوم يشكل خروجًا على منطق منتجيه، وهو سلعة استراتيجية قابلة للصرف والسياسة والأمن والدفاع .
بهذا المعنى كانت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك تعبيرًا عن مصالح أعضائها وتضامنهم فى وجه العالم الصناعي المتعطش دائمًا للموارد زهيدة الثمن، ولكن ها هى الموارد تأتيه بسعر بخس أقل مما يحلم به الحالم.
فالعالم يقف مشدوها وهو يرى المملكة العربية السعودية تُغرق سوق النفط وتخفض سعره، ثم تعد بزيادة إنتاجها إلى 13 مليون برميل يوميا، تدحرجت الأسعار بسبب ذلك من فوق 60 دولارا للبرميل إلى ما يزيد قليلا على 30 دولارًا، وسرعان ما جرّ انهيار الأسعار سوق الأسهم العالمية فتهاوت هي الأخرى.
وهكذا وجدت السعودية نفسها هدفًا لخسائر مركبة من جراء قرارها، فهي تخسر مرة وبشكل يومي من بيع 10 ملايين برميل فى اليوم، بفارق فى السعر يصل إلى نحو 30 دولارًا عما كانت عليه السوق فى شهر يناير الماضي، ثم تخسر من جراء هبوط أسعار أسهمها فى بورصات العالم، لا سيما الأمريكية، وهناك خسارتها فى شركة أرامكو التى انخفضت قيمة أسهمها بنسبة 10%، وأرامكو هي ما بنى عليها ولى العهد السعودي مشروع رؤيته المعروفة بـ2030 لتحديث المملكة وتنويع مصادر دخلها، فإذا بقيمتها تتعرض للتآكل عوض النمو.
وقد ترتبت بالفعل على هذه الخسائر دعوة إلى التقشف وخفض الإنفاق الحكومي، والتقشف كلمة لا تحبها الشعوب، خاصة إذا رأت أن سببها ليس من قلة في الموارد، بل من سوء فى توظيفها، وقد تساءل المراقبون عن سداد القرار السعودي بخفض الأسعار وزيادة الإنتاج، والمملكة تخوض غمار انتقال خشن فى الحكم لم تعهده من قبل.
فالتصدعات التي أصابت الأسرة الحاكمة من اعتقال أمراء ورجال مال وشيوخ دين وقبائل فضلا عن الناشطين والناشطات مما يطالبون ويطالبن بإصلاحات جذرية، إضافة إلى اعتقال أمراء كبار مثل الأميرين أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك، والأمير محمد بن نايف ولى العهد السابق، كل ذلك لا يشكل بيئة سياسة تسمح بمغامرة لا تؤمن ارتدادات اقتصادية قاصية، ومن ثم الاجتماعية والسياسية.
والسلطة- لا سيما فى العروش الموروثة- تحتال إلى التأييد بالسعة إلى التضييق، وبطلب الرضا إلى السخط، ولذلك عدّ خبراء وسياسيون واقتصاديون قرار الأمير محمد بن سلمان بيانًا آخر فى التخبط الذى سيؤدى إلى أضرار بالغة فى الاقتصاد السعودي.
يحيل تفسير ظاهر القرار السعودي إلى حرب أسعار طرفها السعودية وروسيا، بعد أن رفضت موسكو طلبا من أوبك بخفض الإنتاج؛ فروسيا ترى أن ارتفاع أسعار النفط يفيد شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكي، أما السعودية فهى تسعى وفق منطقها إلى جر روسيا جرا عبر ضغط الخسائر إلى الجلوس مع أوبك لترتيب السوق على نحو يدفع بالأسعار صعودًا.
أين واشنطن من كل ما جرى؟ بدا الرئيس الأمريكي مسرورا بوفرة الوقود وامتلاء مستودعات بلاده الاستراتيجية بالنفط الرخيص، وهو سيحول هذا المعطى إلى رأس مال سياسي يدعم بقاءه في البيت الأبيض، ويرى مراقبون أن القرار السعودي يخدم هدفين أمريكيين، وهما نفط رخيص وإجهاد مالي لروسيا يكفكف نزوعها التوسعي ويعطل أحلامها باستعادة المنافسة القطبية مع الولايات المتحدة.
لقد جاء ترامب بمبدأ “ادفع تأمن”؛ فالسياسة عنده بيع وشراء، وهو بهذه الصفة خيار “ابن سلمان” المفضل والمجرب فى التغاضي والحماية.
فقد كانت أمريكا حاضرة فى الشأن السعودي منذ أول قطرة نفط خرجت من أرضها، فالنفط هو رأس مال العلاقة السعودية الأمريكية، ولا يبيع شريك دون علم شريك إغراقا أو إمساكا.