صفحات سوداء من تاريخ الوطن.. رفض دفن طبيبة كورونا يعيد مأساة شهداء رابعة

- ‎فيتقارير

قبل صبّ اللعنات على رؤوس أهالي قرية “شبرا البهو”، على الجميع مراجعة كتاب العنصرية الذي فرضه العسكر على المصريين، والأخذ بالحسبان أن أهالي تلك القرية وغيرها هم أولا وأخيرا ضحايا إعلام يتصدّره أمثال عمرو أديب وأحمد موسى، وضحايا تحريض مستمر وخطاب كراهية وحقد انتشر بين المصريين، وضحايا عصابة انقلاب عسكري فاشل زرع فيهم الخوف من كل شيء.

أهالي قرية “شبرا البهو”، التابعة لمركز أجا في محافطة الدقهلية، عندما تجمهروا بمدخل القرية لمنع دخول سيارة إسعاف تحمل جثمان طبيبة شهيدة قضت نحبها في الحجر الصحي بالإسماعيلية، مرددين هتافات “إيد واحدة”، هم في الحقيقة ضحايا تعليم منهار وأزهر أصابه الخرس في وطن ضائع.

وكانت طبيبة من إحدى قرى مركز أجا تم اكتشاف إصابتها بفيروس كورونا عقب عودتها من الأراضي السعودية، ليتم نقلها لمستشفى العزل بمدينة الإسماعيلية لتفارق الحياة، ويتم التجهيز لدفنها بقرية زوجها “شبرا البهو”، إلا أن الأهالي تجمعوا لمنع عملية الدفن تبعا لمواطنين في القرية.

وتم استدعاء قوات الأمن التي حاولت التفاوض مع الأهالي لفتح الطريق أمام المقابر، إلا أنهم ظلوا يرددون “إيد واحدة”، لمنع الدفن بحجة أن الجثمان سيضر البلد بأكملها، حتى اضطرت القوات للتعامل مع التجمهر وحماية سيارة الإسعاف، حتى يتم التمكن من عملية الدفن، وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي نهاية الأمر تم دفن الجثمان.

عصابة نبش القبور

ما قام به أهالي قرية “شبرا البهو” هو تنفيذ عملي لفتوى شيخ الإجرام “علي جمعة”، عندما حرض على قتل المعتصمين السلميين في رابعة والنهضة، وقال “اقتلوهم.. من قتلهم أو قتلوه فهو في الجنة”، وتنفيذا لخطاب الكراهية للإعلام العسكري الذي يطل منه عمرو أديب وأحمد موسى الذي تزعم حملة “الضرب في المليان”.

ووجّه “جمعة” بحضور السفيه السيسي، خلال خطبة ألقاها لجنود الجيش بوزارة الدفاع، بأنّ الشرع بيّن أنّ كل من خرج على “السيسي” يجب قتله، موجها حديثه لبعض ضباط الجيش والشرطة ممن ترددوا في مسألة قتل المتظاهرين والمعتصمين نظرا لكثرة الدماء وحرمتها، قائلا لهم: “اقتلوا منهم مئة حتى لا يقتلوا ألفا”، مكفرًا من ينتقد الجيش المصري.

ووصف “جمعة” أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومن عاونهم بالخوارج والطغاة الأوباش، مضيفا أنهم لا يستحقون أن يعيشوا في مصر، مشددا على ضرورة ألا يتردد رجال الشرطة والجيش في إطلاق النار فورا عليهم.

من جهته حرض الطبال أحمد موسى، عصابة الانقلاب على مصادرة أموال المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وتوزيعها على عصابة العسكر. وقال موسى في برنامجه “على مسئوليتي” على فضائية “البلد”: إن دور الحكومة هو أخذ أموال الإخوان بقوة القانون، موضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا لا تترددان في مصادرة أموال الإرهابيين وتوزيعها.

وأضاف: “لازم توجعوهم زي مهو يحرق في البلد لازم تحرقوا، زي ميقتل لازم تقتلوا”، وتابع: “أد إيه شركة الكهربا عايزة؟ 300 مليون، إديهم فلوس الإرهابي خيرت الشاطر، ووزارة النقل وعربيات الشرطة وغيرها، كلو إديه من فلوس الإرهابيين”.

وبنبرة تهديد قال: “كل واحد يضرب رصاصة حتترد على دماغه ودماغ اللي خلفه، كل واحد ولع هيتولع فيه”، وطالب وزارة الداخلية بأن تقوم بتصوير جميع عملياتها ضد من أسماهم الإرهابيين في المطرية وغيرها.

وبرر طلبه قائلاً: “أمريكا لما قتلت أسامة بن لادن صورت العملية، والموساد لما اغتال قيادات منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وغيرها صور العملية أيضًا.

حتى إن إحدى قنوات التيار المدخلي بمصر، خرج على شاشتها المخبر “عبد الرزاق محمود الرضواني” محرضا على “قتل المتظاهرين“، ومثله محمد سعيد الرسلان، الذي كان أحد أقطاب دعم الهجوم وقتل متظاهري “رابعة” و“النهضة”، حيث عاد إلى قراءة بيان استخباراتي على منبر الجمعة، وزعمَ أن “المتظاهرين سيقومون بتمزيق المصاحف ورميها في الأرض وقتل فئات من الإخوان لآخرين سلفيين ونسبتها إلى الأجهزة الأمنية“.!

وما جرى من عنصرية في قرية “شبرا البهو” لن يكون المرة الأخير، فمنع جنازة الطبيبة الشهيدة المصابة بكورونا، أعاد للذاكرة جنازات شهداء جماعة الإخوان المسلمين بعد الانقلاب في 30 يونيو 2013، والتي تم منع بعضها، بل وفي بعضها تم الاعتداء على حرمة الميت بضرب “النعش” بالحجارة، وقتل مشيعي الجنازة بالرصاص.

البعض قد لا يصدق أن الأهالي تجمهروا لمنع جثمان طبيبة من الدفن في مدافن يملكها زوجها، وذلك حدث مع جماعة الإخوان المسلمين عندما تم طردهم من بيوتهم وتشريدهم في بلاد الله إلى الآن.

بعد الانقلاب تم تسجيل حوادث كثيرة باعتداء “مواطنين شرفاء”، وهو اسم أُطلق على جيش البلطجية التابع للداخلية، على مواطنين مصريين، لمجرد انتماء أشخاص لجماعة نجحت بالانتخابات في أكثر من مرة، والاعتداء عليهم وعلى حرمة بيوتهم من جيرانهم.

دائرة الكراهية

بعد مرور سبع سنوات على مذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة التي ارتكبتها قوات الجيش والشرطة في 14 أغسطس 2013، ما زالت مصر تعيش حالة كراهية واضحة وعنصرية وانسداد في الأفق السياسي، حتى جاءت أحداث قرية شبرا البهو ونكأت الجرح الذي لم يندمل بل ووضعت عليه الملح. هناك شريفات طاهرات حافظات للقرآن الكريم اتهمن في شرفهن من مجموعة من الساقطات والقوادين بكذبة جهاد النكاح في رابعة.

هل تعلم أن هناك فتاوى خرجت بوجوب طلاق المرأة من زوجها الإخواني أو من زوجته الإخوانية!، وكان ذلك على لسان داعية العسكر مظهر شاهين، فإذا خرجت فتاوى مماثلة بوجوب طلاق المهندس والمدرس وغير العامل بالمهن الطبية من الطبيبة أو الطبيب للخوف من العدوى فلا تستغرب أرجوك.

في مجزرة رابعة والنهضة تم حرق جثث الشهداء، وخرج المواطنون الشرفاء أمثال أهالي “شبرا البهو” يرقصون على أغنية “تسلم الأيادي”، بل وقام عدد كبير من الأطباء والطبيبات بالإبلاغ عن زملائهم بحجة انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين!.

بل من القصص التي تفضح كمّ العنصرية والإجرام والكراهية، ما سجله الأهالي بأن أمين شرطة كان يقوم بترحيل “معتقل” للنيابة للتحقيق،  وفي الطريق قام بقتله بعدما فشل في محاولة ابتزازه وأخذ رشوة منه، وحينما سُئل أمين الشرطة: “لماذا ضربته بالنار؟”، زعم أن الشهيد قام باستفزازه مرات وتمجيد جماعة الإخوان وجاهر بكراهية الجيش والشرطة، والغريب أن نيابة أمن الدولة أخلت سبيله بضمان وظيفته!.