بتوزيع كمامات على جميع المصلين، وتعقيم كل من دخل المسجد، ووضع مسافة أمان بين كل فرد، وطوابير عند الدخول والخروج، وفتح الأبواب للتهوية، فإن إندونيسيا تضرب مثالا رائعا في الإجراءات الوقائية للحرص على إقامة صلاة الجمعة في المسجد، على عكس التشدد العسكري في مصر بمنع الصلاة نهائيا.
وقالت دار الإفتاء التي يهيمن عليها العسكر، إن الإصرار على إقامة الصلاة في المساجد رغم وجود خطر كورونا وتعليمات الأجهزة بوقف ذلك "حرام شرعا"، وأكدت أنه يجب شرعًا على المواطنين في كل البلدان الالتزام بتعليمات الجهات الطبية المسئولة التي تقضي بإغلاق الأماكن العامة من مؤسسات تعليمية واجتماعية وخدمية، وتقضي بتعليق صلاة الجماعة والجمعة في المساجد في هذه الآونة.
قواعد الشرع
وشدّدت دار الإفتاء على أنه يحرم الإصرار على إقامة الجمعة والجماعات في المساجد، تحت دعوى إقامة الشعائر والحفاظ على الفرائض، مع تحذير الجهات المختصة من ذلك، وإصدارها القرارات، مؤكدة أن المحافظة على النفوس من أهم المقاصد الخمسة الكلية، ويجب على المواطنين الامتثال لهذه القرارات الاحتياطية والإجراءات الوقائية التي تتخذها الدولة، للحد من انتشار هذا الفيروس الوبائي.
وأوضحت الإفتاء أنه تقرر في قواعد الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولذلك شرع الإسلام نُظُمَ الوقايةِ من الأمراض والأوبئة المعدية، وأرسى مبادئ الحجر الصحي، وحث على الإجراءات الوقائية، ونهى عن مخالطة المصابين، وحمَّل ولاةَ الأمر مسئوليةَ الرعية، وخوّل لهم من أجل تحقيق واجبهم اتخاذَ ما فيه المصلحة الدينية والدنيوية، ونهى عن ومخالفتهم.
ورغم إعلان معظم وزارات الأوقاف بالدول الإسلامية عن إجراءات احترازية متشابهة لمنع انتشار فيروس كورونا، فإن مواقع التواصل بمصر تشهد غضبا متصاعدا تجاه وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب، وصل إلى حد المطالبة بإقالته.
ودشن نشطاء مواقع التواصل وسما بعنوان "#اقاله_وزير_الاوقاف" للمطالبة بعزل "المخبر" محمد مختار جمعة، على خلفية تصريحاته وقراراته المثيرة للجدل بشأن الإجراءات الاحترازية في شهر رمضان الفضيل، التي اعتبرها مغردون مستفزة ولا تراعي مشاعر عموم المصريين.
ومن أبرز قرارات "المخبر" إغلاق المساجد، ومنع صلاة التراويح، وتحذير المصريين من إقامة صلوات الجماعة أو التراويح فوق أسطح المنازل، لكن القرار الذي فجّر بركان الغضب تجاه "المخبر" هو أنه وصل إلى حد منع إذاعة قرآن المغرب من المساجد.
مريض نفسي
وتصاعد الغضب تجاه وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب خلال الأيام الماضية، بعد إقالته المتحدث باسم الوزارة، الذي أعلن عن نقاشات تدور داخل أروقة الأوقاف بشأن السماح بإقامة صلاة التراويح بإمام المسجد والعاملين في كل مسجد فقط.
واستشهد إعلام العسكر بفظائع الشيعة الفاطميين في مصر، وقطع ألسنة من خالف قراراتهم الظالمة، وقالت صحيفة "اليوم السابع" وثيقة الصلة بالمخابرات، إنه وبحسب كتاب "موسوعة التشيع" لعبد الباسط الناشى، فإن الفاطميين أبطلوا رؤية هلال شهر رمضان وجعلوا الشهور، شهرا 29 يوما، وشهرا 30 يوما، فإذا وقع رمضان في أحدهما أمضوه كما هو، وفى سنة 363هـ، أبطل الخليفة الفاطمى العزيز صلاة التراويح من جميع مساجد مصر، وقد روي أنهم قطعوا لسان من احتج على منع صلاة التراويح.
وقالت الصحيفة المخابراتية: "يذكر كتاب "جواهر البحور ووقائع الأمور وعجائب الدهور" لابن وصيف شاه، أن الحاكم أبطل صلاة التراويح مدة طويلة، وظلت معطلة 20 سنة، ثم تمت إعادتها".
وأضافت اليوم السابع: "أفاد المؤرخ ابن سعيد الأنطاكي بأنه في سنة 370هـ منع الخليفة الفاطمي العزيز بالله، صلاة التراويح بمصر فـ"عظُم ذلك على كافة أهل السُّنة من المسلمين"، وعندما جاء الحاكم بأمر الله، سمح بإقامتها مؤقتا ثم منعها عشر سنوات حتى كانت عقوبة من يصليها الإعدام؛ فقد قال المقريزي إنه في سنة 399هـ أمر الحاكم بـ"قتل رجاء بن أبي الحسين من أجل أنه صلى صلاة التراويح في شهر رمضان"، وفي المسجد الأقصى بالقدس ضُرب الشيخ الصالح أبو القاسم الواسطي (ت القرن 4-5هـ) حتى أوشك على الهلاك؛ لأنه اعترض على "أمر السلطان الفاطمي بقطع صلاة التراويح".
وختمت الصحيفة المخابراتية بالقول: "ثم سمح الحاكم بصلاتها مرة أخرى سنة 408هـ وأصدر بذلك قرارا رسميا قرئ في مساجد مصر وغيرها، فاستمرت إقامتها حتى وفاته؛ وكانت دوامة المنع والإذن تلك للتراويح من أمثلة قرارات الحاكم المزاجية التي عُرف بها عهده المتقلب في المواقف والقرارات".
وقبل أيام من شهر رمضان المبارك، دعا مصريون إلى التفكير في حلول إبداعية بدلا من الإغلاق التام للمساجد، وطالب بعضهم بالاقتداء بتجارب دول مماثلة فتحت المساجد أمام بعض المصلين.
وأعلنت رئاسة شئون الحرمين الشريفين عن إقامة صلاة التراويح بالعاملين في الحرمين فقط، كما أعلنت دولة قطر إقامة صلاة الجمعة والتراويح في مسجد واحد فقط بحضور 40 من الأئمة والمؤذنين للجمعة وأربعة للتراويح.
واعتبر مغردون أن الغضب ليس من قرارات المخبر مختار جمعة في حد ذاتها، لكن من طريقته المستفزة ونبرته الاستعلائية، فضلا عما يرونه فيه من جهل بالدين، كان آخره تلعثمه حتى في قراءة سورة الفاتحة.
وقارن آخرون بين الزحام الذي تشهده شوارع مصر ومعظم القطاعات والأنشطة، وبين الإصرار على الإغلاق التام للمساجد دون التفكير في حلول بديلة تراعي مشاعر المصريين في شهر رمضان، ودعا نشطاء إلى إذاعة القرآن الكريم من الشرفات قبل صلاة المغرب نكاية في مخبر الأوقاف.
تقول الناشطة مريم محمود: "جرا إيه يا ناس.. فيها إيه لما نسمع الأذان يعني هاينقل الوباء ده وفيها إيه لما الإمام فقط يقيم صلاة التراويح وبلاش الناس تروح، روح يا أخي ربنا ينتقم منك ومن كل ظالم، وانتوا يا شعب جبان بردو هاتسكتوا عشان الموضوع جاي على هوى نص الشعب.. ربنا ينتقم من كل ظالم".
