هو المجرم فحاكموه.. كيف أدان السيسي نفسه في حادث بئر العبد؟

- ‎فيتقارير

على وجه اليقين، فإن المتهم الأول في الحادث الإجرامي الذي وقع قبل دقائق من مغرب الخميس 30 أبريل 2020م وأسفر عن مقتل ضباط وصف ضابط و8 مجندين وإصابة 4 آخرين من عناصر الجيش، هو المجرم والطاغية عبد الفتاح السيسي، زعيم الانقلاب العسكري في منتصف 2013م.

السيسي هو من أدان نفسه بنفسه، فقبل 7 سنوات سربت فضائيات معارضة للانقلاب مقطع فيديو للسيسي عندما كان وزيرا للدفاع وقبل انقلابه المشئوم في 30 يونيو 2013م، يحذر فيه: “ممكن نحاصر رفح وبئر العبد والشيخ زويد ونخرج أهلهم منها ثم ننسف المنازل، وإذا خرجت نار نواجهها بمائة نار؛ لكن إذا قتل 3 أبرياء فأنت بذلك تشكل عدوا لك ولبلدك، وهذا ممكن يؤدي إلى فصل سيناء، فهذا ما حدث بالضبط في جنوب السودان”!.

كان ملخص ما قاله السيسي وقتها، وهو كلام موزون وحس وطني وأمني وسياسي على قدر كبير من الصحة والتوازن، لكن هذا أصبح من الماضي عندما  كان السيسي وزيرا للدفاع في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر، والذي انقلب عليه السيسي وزج به وبأركان حكومته المنتخبين وحزبه ومؤيديه في السجون بتهم سياسية ملفقة، ثم قتل الآلاف من الأبرياء الرافضين لانقلابه، ثم حاصر الرئيس المخطوف حتى لقي ربه شهيدا متألما على حال الوطن.

السيسي بعد الانقلاب ليس هو السيسي قبله، بدأ يخالف الكلام الموزون الذي قاله، وتخلى عن الحس السياسي في المعالجة وعدم الاكتفاء بالشق الأمني فقط؛ وشن 7 حملات عسكرية موسعة على سيناء قتل خلالها ليس 3 أو 5 أبرياء، بل آلاف الأبرياء، وزج في سجونه بآلاف آخرين، وترك كلابه المسعورة تنهش في أهالي سيناء ليل نهار؛ وفي عهده تأسس تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم داعش، واتسعت رقعة المواجهة المسلحة حتى تحولت إلى حرب مفتوحة، تستنزف الآلاف من الضباط والمسلحين والمدنيين الأبرياء؛ فمن المسئول؟

من هجر أهالي رفح قهرا وقسرا؟ ومن نسف المدينة عن بكرة أبيها وأبادها إبادة تامة؟ ومن حاصر الشيخ زويد وبئر العبد واقتلع أشجار الزيتون ودمر المزارع وهدم المساجد والمدارس والمنازل؟ أليس هو السيسي؟! ألا يعلم السيسي أن العنف المفرط يولد الثأر الأعمى؟ ألم تحول سياساته الدموية قطاعا عريضا من أهالي سيناء إلى مشروعات انتحار ثأرا لذويهم الذين مزقتهم قوات السيسي؟.

مقطع السيسي المسرب هو من يجيب عن هذه الأسئلة الشائكة، ليؤكد أن المجرم واحد هو السيسي، وأن القاتل واحد هو السيسي، وأن مخرج مصر من هذه الفتنة العمياء هي محاكمة السيسي وأركان عصابته الذين جندتهم “إسرائيل” لتركيع مصر كلها، ولتبقى خادما وحارسا لضمان أمن الكيان الصهيوني على حساب مصر وشعبها وتاريخها وحضارتها.

الصمود الوهمي

في محاولة للتغطية على الفشل المتواصل، علق رئيس الانقلاب والمتهم الأول في الجريمة عبد الفتاح السيسي قائلا: إن “قوى الشر” تحاول خطف الوطن، مضيفا “لكننا بفضل الله ثم بفضل أبناء مصر وجيشه القوي صامدون بقوة وإيمان، وقادرون أن نحطم آمال تلك النفوس الخبيثة الغادرة”.

والتقط الكاتب الصحفي جمال سلطان حديث السيسي عن “الصمود”، متسائلا: “هل هذا تعبير لائق؟ هل مصر وجيشها محاصران من شرذمة من عدة مئات من الإرهابيين وفي وضع دفاع؟”

تساؤل سلطان يأتي في ظل تأكيدات متتالية أعلنتها سلطات الانقلاب، عبر آلتها الإعلامية، تزعم النجاح في القضاء على الإرهاب، وأن ما تبقى مجرد فلول تنازع أيامها الأخيرة.

واعتبر القيادي بحزب الكرامة “أمين إسكندر”، أن تغييب السياسة عن أزمة سيناء سبب مباشر في استمرار نزيف الدم، مؤكدا أن النظام لن يستطيع المواجهة في غياب الحرية وإغلاق المجال العام.

وتساءل “إسكندري”: كيف نواجه الإرهاب ومصر خالية من السياسة والفكر والآراء، لا إعلام، لا أحزاب، لا حوار، سلطة الواحد وفقط؟ كيف نقاوم الإرهاب ومصر في السجن ومقيدة لدرجة الشلل، ومصر بلا تصور ولا مشروع ولا تعليم ولا ثقافة ولا تنمية سوى مشروعات لشركات المقاولات؟”.

من حوّل سيناء إلى عدو؟

ولخصت ورقة بحثية لمركز “ستراتفور” الأمريكي للدراسات، في أبريل 2018م، في أعقاب إطلاق العملية الشاملة، موقف أهالي سيناء بعبارة واحدة  فهم “عدو صنعته مصر”. وأبرز كاتب المقال هلال كاشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، هذه الحالة التي يعيشها بدو سيناء في ثلاث نقاط رأى أنها تجمع أطراف هذه المشكلة:

أولا: علاقة مصر التاريخية معهم كانت غير مستقرة. وثانيا: رغم سمعتهم في مصر كشعب “لا يخضع لسيطرة القانون”، فإنهم تعايشوا بسلام مع الحكم الإسرائيلي منذ حرب 1967 وحتى تنفيذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1982. وثالثا: ما لم توف الحكومة المصرية بوعودها لتطوير شمال سيناء، فسيواصل السكان البدو في المنطقة الاعتماد على أنشطة غير قانونية، مثل التهريب، لكسب العيش.

وأفاض الباحث في تفصيل هذه النقاط، وخلص إلى أن الدولة المصرية الحديثة منذ بدايتها همشت البدو واعتبرت أسلوب حياتهم أثرا غير مقبول من العصور الغابرة، وأن الاعتراف بشبه جزيرة سيناء كجزء من تاريخ مصر القومي ليس كافيا للتغلب على قرون من الإهمال، وسوء المعاملة التي عانى منها الكثير من سكان المنطقة.

من ذات الجحر مئات اللدغات!

وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جُحر واحد مرتين، فإن المنافق يلدغ من ذات الجحر مئات المرات؛ فجريمة تفجير المدرعة ومقتل الضابط والجنود تتكرر عشرات المرات خلال السنوات القليلة الماضية.

ويكفي دليلا على فشل السيسي ومقاربته الأمنية أن عدد القتلى في صفوف الجيش والشرطة خلال السنوات السبع الماضية يفوق حصيلة القتلى في 30 سنة من حكم مبارك. هذا بخلاف  أكثر من 10 آلاف مصري قتلوا ظلما على يد السيسي وأركان عصابة الانقلاب، بخلاف عشرات الآلاف من الأبرياء الذين زجوا في السجون بتهم سياسية ملفقة منذ انقلاب 3 يوليو 2013م.

فمن الذي حول مصر إلى ساحة حرب؟ ومن الذي زرع العنف والإرهاب في جنباتها من أجل أطماعه في السلطة والحكم؟ ولمصلحة من يتم استنزاف مصر بهذه الطريقة المؤلمة على كل وطني غيور محب لبلده؟ أليس العدو الصهيوني هو المستفيد الوحيد من كل هذا؟

أطيحوا بالسيسي وحاكموه، فإنه جاسوس الصهاينة في قصر الاتحادية يختطف الجيش ومصر كلها من أجل حماية أمن الكيان الصهيوني وضمان استمراره متفوقا على الجميع، ولتبقى مصر العظيمة راكعة أمام عدودها اللدود.