كان من المتوقع بعد أن فشلت موقعة الجمل في إزاحة الثوار من ميدان التحرير وفقد حسني مبارك آخر آماله في البقاء رئيسا لمصر بسبب غضب الثوار المتصاعد، أن يفوض مبارك ابنه "جمال"؛ كآخر أوراق يمكنه اللعب بها؛ باعتبار ابنه هو الوريث المحتمل حتى 24 يناير 2011، للتفاوض مع الثوار في الشارع؛ بل ذاب فعليا صوت عائلته وزوجته وأبنائه، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في 7 فبراير أن "مصر لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل بدء الاحتجاجات ضد نظام حسني مبارك، ويرى أن وقت التغيير قد حان: بحسب (بي بي سي). وقال مراقبون إن أيام مبارك باتت معدودة ورحيله أصبح مؤكدا عقب التصريحات الرئاسية الأمريكية.
محاولات السيطرة على الثورة
ومع مليونية 7 يناير التي شاركت فيها أعداد كبيرة أعلن الثوار إصرارهم على الاعتصام في ميدان التحرير حتى يتنحى مبارك، كما دعوا للتظاهر مجددا في مليونية 11 فبراير 2011. ولم يشفع لمبارك ما أعلنته حكومة أحمد شفيق يوم 7 فبراير من زيادة رواتب الموظفين والمعاشات بنسبة 15 % بداية من إبريل 2011 و التحفظ على وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى تمهيدا لمحاكمته واتهامه بالمسؤولية عن حادث كنيسة "القديسين" بالإسكندرية التي قتل على إثرها الشاب السكندري سيد بلال تحت التعذيب، وكان العادلي أعلن قبل إندلاع الثورة عن تورط جماعة جديدة بعنوان "جيش الإسلام" الفلسطينية بالتفجير، كما تم ترويج أنباء عن الإفراج عن الناشط السياسي وائل غنيم، لإعطائه زخما ثوريا ميدانيا اتضح لاحقا أنه تم بالتةافق مع المخابرات لتحويله إلى أيقونة ثورية لسحب الثورة إلى المربع الذي تريده.
ملامح التدخل الأمريكي
العالم المصري الأمريكي أحمد زويل طرح مبادرة الخروج من الأزمة في مصر بعد وصوله من أمريكا إلى القاهرة في 6 فبراير، وتضمنت خمس نقاط أولها تنحي الرئيس عن السلطة وتسليم القيادة لنائبه عمر سليمان بالإشتراك مع لجنة من ممثلي المتظاهرين لإدارة البلاد مؤقتا، و تعديل مواد الدستور 76، 77، 88، 179 بشكل سريع، وما يترتب على ذلك من حل البرلمان، واجراء إصلاحات اقتصادية ملموسة، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وإلغاء قانون الطوارئ، وفي النهاية إجراء انتخابات حرة ونزيهة لاختيار الرئيس الجديد.
كما شدد "زويل" على أهمية التغيير الجذري في الإعلام المصري وعدم حجب شخصيات المعارضة أيا كان انتماؤها وأفكارها عن الظهور. والتقى العالم المصري الراحل نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان وشيخ الأزهر أحمد الطيب ومحمد البرادعي وشخصيات حزبية وقادة في المعارضة.
دور عمر سليمان
بطل مرحلة ما بعد موقعة الجمل ومحطة التنحي وما بعدها كان الفريق عمر سليمان الذي تولي بالفعل منصب نائب الرئيس وبدأ في إجراء الحوارات التي اقترحها "زويل". وأشار الباحث الأمريكي "جيسون براونلي" إلى أن خبرة عمر سليمان العسكرية وطبيعة عمله في المخابرات جعلتا منه رهانا موثوقا فيه للسياسة الخارجية الأمريكية أكثر من جمال مبارك، كما أثبت سليمان أنه حليف قوى للولايات المتحدة وإسرائيل بعمله على الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الذي كان مختطفا في غزة وإضعاف حماس".
وأكد "براونلي" في كتابه "إجهاض الديمقراطية.. الحصاد المر للعلاقات المصرية الأمريكية فى أربعين عاما" أن المخلوع مبارك كان مهندس مشروع توريث الحكم لابنه جمال، ولكن بعد تعيين عمر سليمان نائبا لمبارك عقب ثورة 25 يناير، بلور البيت الأبيض موقفه الذى عبرت عنه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون يوم الأحد 30 يناير، بأن الولايات المتحدة تساند "الانتقال المنظم" للسطلة فى مصر، وسيصبح الانتقال المنظم هو شعار الولايات المتحدة خلال الفترة التى سبقت تخلى مبارك عن الحكم، وأظهرت التقارير أن أوباما سعى للحفاظ على الاستقرار بمصر في الوقت الذى يروج لنفسه، وكأنه يساند التحول الديمقراطي التدريجي.
ولفت إلى أن هيلاري كلينتون صورت عمر سليمان على أنه الربان الذي يقود السفينة وسط المياه المضطربة، وطالبت بدعم العملية الانتقالية التي أعلنت عنها الحكومة المصرية بقيادة نائب الرئيس عمر سليمان، ولكن بعد تصعيد الموقف من قبل الشعب المصري بمطالبته بتنحي "مبارك" تتابعت الأحداث لتصيب آفاق المستقبل السياسى لعمر سليمان بالكساح، ولتدحض أيضا خطة الانتقال المنظم للسطلة التي كانت تتبناها الإدارة الأمريكية.