فضيحة قضائية بسبب تحريات الشرطة.. حبس مواطنين في تجمهر لم يحدث!

- ‎فيأخبار

استقرت الأحكام القضائية في مصر قبل انقلاب 3 يوليو 2013م على عدم الاعتماد على تحريات الشرطة فقط في القضايا والأحكام وألزمت المؤسسة القضائية نفسها بضرورة وجودة أدلة مادية في أحكام الإدانة وعدم الاكتفاء بتحريات الشرطة. وكان للمحكمة الإدارية العليا سنة 1988 حكما تاريخيا أكدت فيه أنه « لو كانت كل تحريات الشرطة صحيحة لما قامت بالبلاد حاجة إلى خدمات القضاء والعدل وأن تحريات وتقارير المباحث لا تصلح بذاتها دليلا لإصدار القرار الإداري فيمن يعين في إحدى الوظائف العامة»
كما رسخت محكمة النقض كبرى المحاكم المصرية وأعلاها، مبدأ متواترا فى أحكامها بأن «تحريات الشرطة بحسبانها قرينة لا تصلح بمجردها أن تكون دليلا كافيا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام، فهى لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد، حتى يتحقق القاضى بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية فى الإثبات». وهو الحكم الصادر في (طعن رقم 24530 لسنة 59ق بجلسة 22 مارس 1990م).
أهمية التحريات

وتكمن أهمية تحريات أي واقعة فى أنها السند الرئيسى لجهات التحقيق فيما تقرره من إجراءات، ولها أثرها فى تكوين عقيدة المحكمة حال الحكم فى الدعوى، ولخطورة التحريات صارت محلا للدفع ببطلانها أو عدم جديتها من قبل المتهمين، وللتحريات أيضا أهمية فى مجال الضبط القضائى إذ إن هناك إجراءات لا تعتبر صحيحة إلا إذا سبقتها تحريات.
وفى ذلك يؤكد المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق، أن «التحريات تعد النواة الأولى للتحقيق والحصول على الدليل وجزءا مهما فى تكوين عقيدة المحكمة عند نظر القضية، ولابد أن تعمل التحريات على تجميع الأدلة حتى يتم التحقيق فيها»، مشيرًا إلى أن «ما يسهل عملية الحصول على الدليل هو إجراء المعاينة بعد حدوث الجريمة مباشرة والتفتيش بناء على إذن جهات التحقيق».
ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013م جرى العصف بكل هذا المبادئ القضائية الراسخة، وجرى العصف بكل معنى أو مفهوم للعدالة وصدرت آلاف الأحكام القضائية المسيسة التي لا تستند في حكمها على أي دليل مادي لإدانة المتهمين سوى تحريات الشرطة. كثرة هذه الأحكام وتكرارها بخلاف الحبس الاحتياطي الذي يعتمد فقط على تحريات الشرطة والأمن الوطني تثير كثيرا من التساؤلات عن سلامة الأساليب التى تُستخدم فى التحرى والبحث عن الواقعة ومرتكبيها، ومدى صحة الاعتداد بالتحريات دليلا وحيدا للحبس أو توجيه الاتهام فى مرحلة التحقيقات، خاصة أنها لا تعتبر وحدها دليل إدانة أمام محكمة النقض.

حبس في تجمهر لم يقع!
والأسبوع الماضي (منتصف مارس 2021م) تقدمت المباردة المصرية للحقوق الشخصية بتظلم إلى قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي طالبته باستخدام صلاحياته في قانون الطوارئ كحاكم عسكري، ووقف التصديق على حكم أصدرته محكمة أمن الدولة طوارئ، ضد متهمين اثنين بمحافظة الشرقية، بحبسهما خمس سنوات مع الشغل وغرامة 100 ألف جنيه لكل منهما، بعد إدانتهما بتهمة المشاركة في تجمهر لم يقع من الأساس، بحسب المبادرة، التي طالبت بإلغاء الحكم أو إعادة محاكمة المتهمين أمام قاضيهما الطبيعي، في ضوء القوانين العادية والمحاكم العادية.
وأدانت المبادرة في بيان لها، الأحد الماضي 14 مارس 2021، استمرار تجديد حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ أبريل 2017 بالمخالفة للدستور، الذي ألزم بإعلان الطوارئ بحد أقصى ثلاثة أشهر، تُمد لفترة واحدة، وما يترتب عليه من استمرار مثول الأفراد أمام محاكم الطوارئ «الاستثنائية» التي تصدر أحكاما نهائية غير قابلة للطعن بمجرد تصديق الحاكم العسكري عليها.
وترجع أحداث القضية إلى سبتمبر 2020، حين ألقت قوات الأمن القبض على كل من إبراهيم عيسى إبراهيم، وأحمد محمد الصغير، وآخرين، وبعد أيام من القبض عليهم، وجهت النيابة لهم تهما بالتجمهر أسفل كوبرى «غيطة» لمدة 40 دقيقة، واستعراض القوة والتلويح بالعنف، وحيازة منشورات بهدف الترويج لتعطيل أحكام الدستور، ونشر أخبار وشائعات كاذبة لتكدير الأمن العام، وكذلك إلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وأحالتهم، استنادا على قانون الطوارئ، إلى محكمة جنح أمن الدولة طوارئ بلبيس. وأدانت المحكمة المتهمين بالتجمهر استنادا إلى التحريات الشرطية، في غياب أي دليل أو حتى صورة واحدة تثبت وجود هذا التجمهر!
الاعتقال قبل التهمة!

وبحسب البيان، قدم محامو المبادرة إلى جانب محاميّ باقي المتهمين في القضية للمحكمة، ما يثبت القبض على المتهمين قبل عدة أيام من تاريخ التجمهر «المزعوم»، وبينها تلغرافات أرسلها أقارب المتهمين يشتكون من القبض عليهما من منزليهما دون إبداء أسباب وتطلب معرفة أماكن احتجازهما. كما قدم المحامون صورا حديثة لكوبري «غيطة» تُظهر أنه يخضع للصيانة ضمن مجموعة الكبارى التى يجرى تطويرها منذ أغسطس الماضي، أي قبل القبض على المتهمين بشهر، بما يفيد استحالة قيام تظاهرة أو تجمهر أسفله، حيث تملأ المكان المعدات الثقيلة.
كما رفضت المحكمة، بحسب محاميي المبادرة، استدعاء أمين الشرطة الذي ألقى القبض على المتهمين للاستماع لشهادته، وكذلك رفضت الاستماع لشهود عيان حضروا واقعة الضبط الحقيقية.
وتُشكَّل محكمة أمن الدولة طوارئ فقط في حالة سريان قانون الطوارئ، وتُحال أحكامها إلى الحاكم العسكري «رئيس الجمهورية أو من يفوضه للتصديق عليها»، وبعد التصديق على أحكامها تعد نهائية لا يجوز الطعن عليها، ويجوز فقط التظلم على أحكامها أمام الحاكم العسكري، دون أن يكون للمتظلم حق التمسك بقاعدة عدم إضرار الطاعن بطعنه، فيمكن أن يترتب على التظلم زيادة العقوبة.