“لك الله يا مصر”.. رجل أعمال يقيم حفل زفاف بـ3 مليون دولار والفقر يتمادى كالسرطان

- ‎فيأخبار

أثار ظهور ممثلين وممثلات ورجال أعمال وسياسيين داعمين للانقلاب في حفل زفاف تكلف نحو 3 مليون دولار في مدينة الجونة، حالة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد انتشار مقطع فيديو ترقص فيه الممثلات في وطن يرزح أكثر من ثلثيه تحت خط الفقر على أغنية للمطرب عمرو دياب، وكأن الوطن قد تعافى من سرطان الفقر والكورونا معا.
وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورا تظهر فيها الممثلات، اللاتي اصطففن مع الانقلاب وغنى لهن المطرب علي الحجار "احنا شعب وانتو شعب"، داخل الحفل المبهر باهظ التكاليف والذي أقامه رجل أعمال يدعى "علي جميل".

ممنوع الصلاة!
ويبدو أن أفراح وحفلات الأغنياء في مصر باتت مستثناة من قرار مجلس وزراء الانقلاب بحظر التجمعات لمواجهة أزمة تفشي فيروس كورونا، وهو ما ظهر جليا بانتشار صور تلك الحفلات عبر منصات التواصل الاجتماعي.
آخر هذه الحفلات زفاف نجل رجل الأعمال "علي جميل"، الذي شهد حضورا حاشدا من المعازيم في مدينة الجونة المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في وقت تلقي فيه قوات الانقلاب القبض على المواطنين في حالة صلاة بعضهم بصورة جماعية.
تقول الناشطة داليا أم البنات :" العريس و العروسة إلي يقرروا يصرفوا ٣ مليون دولار علي فرح في وقت ناس بتموت من قلة الأكسجين ووباء متفشي في بلد نسبة الفقر فيها مرعب بينبسطوا أزاي؟".
يأتي ذلك في الوقت الذي يخيم فيه على مصر المنقسمة بالانقلاب العسكري التناقض الفج، فبينما يرزح الفقراء تحت وطأة الحرمان وندرة وسائل الحياة، ينعم شعب الانقلاب بالمليارات والحياة الرغيدة.
وجاء في قائمة مليارديرات شعب السفاح السيسي 5 رجال أعمال من مصر ممن يملكون مليار دولار أو أكثر، حيث تصدر ناصف ساويرس الشقيق الأصغر لنجيب ساويرس أغنى أغنياء مصر واحتل المركز الأول بجدارة بثروة تقدر بحوالي 8.3 مليار دولار يحتل بها المركز 297 عالميا لعام 2021، علما بأنه احتل المركز 330 عالميا العام الماضي وهو ما يمثل تخطيه 33 مليارديرا هذا العام، وهو الوحيد من بين الـ5 مليارديرات في مصر الذي شهد ترتيبه صعودا على مستوى العالم.
جاء في المركز الثاني نجيب ساويرس بثروة تقدر بنحو 3.2 مليار دولار يحتل بها المركز 956 عالميا لعام 2021، علما بأنه احتل المركز 680 عالميا العام الماضي وهو ما يمثل تراجعا في ترتيبه العالمي.
ثالثا، جاء محمد منصور بثروة تقدر بنحو 2.5 مليار دولار يحتل بها المركز 1249 عالميا لعام 2021، علما بأنه احتل المركز 590 العالم الماضي وهو ما يمثل تراجعا كبيرا في ترتيبه العالمي في قائمة أغنى أغنياء العالم.
في المركز الرابع، جاء يوسف منصور الشقيق الأكبر لمحمد وياسين منصور بثروة تقدر بنحو 1.5 مليار دولار يحتل بها المركز 2035 عالميا لعام2021، وكان قد احتل المركز 1135 العام الماضي متراجعا تراجعا كبيرا هذا العام.
خامسا، جاء ياسين منصور الشقيق الأصغر لمحمد ويوسف منصور بثرة تقدر بحوالي 1.1 مليار دولار يحتل بها المركز 2524 عالميا لعام 2021، علما بأنه احتل المركز 945 العام الماضي متراجعا تراجعا كبيرا هذه العام في ترتيبه العالمي.

الفقر للمصريين
في عام 2019، أشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى تسجيل زيادة كبيرة في معدلات الفقر، من 27.8 في المئة في عام 2015 إلى 32.5 في المئة في عام 2018.
وتحدّث البنك الدولي لافتا إلى ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يعيشون في الفقر من 22.7 مليون شخص في عام 2012 إلى 32.5 مليون شخص في عام 2017.
بتعبير آخر، ازدادت أعداد المصريين الذين هم تحت خط الفقر بواقع 9.8 ملايين نسمة في غضون خمس سنوات، والسبب الأساسي هو السياسة المالية والاقتصادية التي ترمي إلى التسريع في نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى شعب السفاح السيسي من العسكر ورجال الأعمال الفسدة.
تستند هذه السياسة إلى مرتكزات عدّة، أوّلها أن حكومة الانقلاب تعتمد بشدّة على القروض، بدلاً من الضرائب، لتمويل عملياتها والمشاريع الضخمة في البنى التحتية، أما الإيرادات الضريبية فتُستخدَم على نحو غير متكافئ في تسديد القروض والفوائد، ما يُفضي إلى نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى الجهات الدائنة لعصابة الانقلاب، الخارجية والداخلية على السواء.
كما تواصل حكومة الانقلاب خفض الدعم والإنفاق الاجتماعي، ثالثاً يستمر العمل بالضريبة التنازلية التي تلقي بالعبء الضريبي على كاهل الطبقتَين الوسطى والدنيا.
وفي الوقت نفسه، تستمر حكومة الانقلاب في العمل على تنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية بقيادة الجيش، ما يُشكّل أداةً للاستحواذ على الأموال العامة، لا أداةً لتطبيق برامج الإنفاق الاجتماعي والحد من الفقر.
وقد أدّى الارتفاع في معدّلات الفقر إلى زيادة مستويات الحرمان الاجتماعي، والدليل على ذلك التراجع بمعدّل 9.7 في المئة في الاستهلاك العام للسلع والخدمات، مع انخفاض الإنفاق على خدمات مثل التعليم، والرعاية الصحية، والثقافة.
والمناطق المدينية هي الأكثر تأثّرا في هذا الصدد، مع تراجع مستوى الاستهلاك بنسبة 13.7 في المئة، مقارنةً بـ5.1 في المئة في المناطق الريفية؛ فقد تراجع مستوى الإنفاق للشخص الواحد في المناطق المدينية بواقع 1400 جنيه مصري، من 10600 إلى 9200 جنيه، فيما تراجع بواقع 500 جنيه فقط في المناطق الريفية، من 7100 إلى 6600 جنيه.

سيطرة الجيش
ومن نتائج سياسة الاعتماد على الاستدانة أن الجهات التي تملك أموالا كافية لإقراض حكومة الانقلاب، أي مالكي الدين الداخلي، تُحقّق منافع مباشرة من هذه العملية، وتتيح هذه السياسة أيضا لعصابة الانقلاب إعفاء الأعمال والشركات، لا سيما تلك الخاضعة لسيطرة الجيش، من الضريبة أو الاكتفاء بفرض ضرائب منخفضة على تلك الشركات، فضلاً عن إفادة الأثرياء من ضرائب منخفضة على مداخيلهم الشخصية.
وهكذا فإن الاعتماد على المديونية يُمكّن لعصابة الانقلاب من حرمان المواطنين من إحدى الإيجابيات الأساسية للضرائب، وهي إعادة توزيع الثروات المملوكة من الأكثر ثراء إلى الأكثر فقرا.
وتحتل مصر سابع أدنى مرتبة في إفريقيا في معدل الضريبة على الأكثر ثراء، في حين يبلغ هذا المعدل 35 في المئة في تونس و38 في المئة في المغرب، علاوة على ذلك، يُسجّل معدل الضريبة على الشركات 22.5 في المئة، وهو خامس أدنى معدل في أفريقيا، ومن الواضح أن المنظومة الضريبية تنجح في تحميل العبء للطبقتَين الدنيا والوسطى بدلا من طبقة شعب السفاح السيسي.
تترتب على هذه السياسات آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا الانقلاب أكثر قمعا وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية.
وهذا بدوره سيغذّي صعود ثورة الشعب، حتى لو لم تتبلور هذه المقاومة في إطار حركة سياسية متماسكة، لا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل.
فضلا عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهدا للتنافس مع العملاق العسكري، وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف يستمر نتائج هذا الخراب على الأرجح إلى ما بعد السفاح السيسي.