مصر وفلسطين

- ‎فيمقالات

ماذا تعنى فلسطين لمصر؟ وماذا تعنى مصر لفلسطين؟ ولماذا يصرُّ شعبُ مصر ومصلحوها على دعم إخوانهم فى فلسطين؟ وما هى صورة مصر والمصريين فى ذاكرة ووعى الفلسطينيين؟

مصر وفلسطين تعنى: وحدة الأرض والدين والجنس والتاريخ والثقافة والعرف والعادة إلخ. أما مصر فهى الأخت الكبرى لفلسطين، والملجأ والمحضن، والمنجى والمآب، ولكَمْ أنجدت أهلها فى النوائب والملمَّات، وكانت درعها الحصين فى الحروب والنكبات، ولا زال أهل فلسطين يقدِّرون هذا الدور وتلك المرتبة إلى يومنا هذا حتى صرخت المرأة الفلسطينية مؤخرًا منذرة اليهود: سيأتيكم إخوتنا المصريون وهم مائة مليون يفعلون بكم كذا وكذا.

وأما فلسطين لمصر فهى بوابتها الشرقية، وحارستها من تلك الجهة، ومفتاحها إلى الشام وباقى العالم الآسيوى المترامى، وإذا ذُكر الأمن القومى المصرى ذُكرت فلسطين. وهى قلب الشرق، وموطن المقدسات، وقد حباها الله منزلة كبيرة كونها مسرى رسول الله ﷺ، وبها بيتُ المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، وموطئ النبيين والصديقين، ومهد المسيح -عليه السلام-..

وهى بذلك جزء من العقيدة الإسلامية، وأرضها وقف على جميع المسلمين لا يجوز لأحد، كائنًا من كان، أن يفرط أو يتنازل عن شبر منها؛ فهى ليست ملكًا للفلسطينيين أو للعرب وحدهم، بل ملك للمسلمين أجمعين.

وقد ازدادت أهمية مصر لفلسطين وفلسطين لمصر من يوم أن زُرع الكيان الغاصب، زرعته الصهيونية والصليبية العالميتان ليكون شوكة فى حلق الأمة، قيدًا يمنعها الحركة والتحضُّر، فتنة بين الأنظمة والشعوب. ولهذا أدرك مصلحو الأمة منذ وقت مبكر خطورة القضية الفلسطينية، فبذلوا الغالى والرخيص لأجلها خصوصًا أن الدولة اللقيطة قد أعدت العدة للتوسع والاستيطان وتحقيق حلم زعمائها فى تدشين دولة تلمودية من الفرات إلى النيل، وللاستيلاء على المقدسات الإسلامية والمسيحية على السواء.

والأمر كذلك فقد صارت مصر أقرب البلاد خطرًا من العدو، بل على مرمى سهامه، فصار الدور دورين؛ فعلى مصر حماية الأشقاء ومقدسات المسلمين فى فلسطين من جهة، ومن جهة أخرى عليها حماية حدودها من العدو اللئيم الذى يحنُّ إلى سيناء التى كان له فيها ذكريات. وإذا كانت مصر قد ردت التتار والصليبيين عن التهام باقى الأمة فقد صار عليها عبء رد الصهاينة الذين يحلمون بـ«إسرائيل الكبرى» التى تشمل -فى معتقدهم الفاسد-: الأردن، لبنان، سورية، العراق، جنوب تركيا، مصر (حتى الفرع الغربى من النيل)، شمال السعودية (حتى المدينة المنورة).

أما الواقع فهو مرٌّ، بعدما شقت تلك الصهيونية وداعموها صف الأمة وحيَّدوا كثيرًا من زعمائها فصاروا عصاهم على شعوبهم، سيفهم الذى يضرب لهم، وباتت الأمة فى مأزق كبير: من تواجه أولًا؟ وقد خلَّف ذلك المأزق تأخرًا فى الإعداد وقصورًا فى التجهيز لكبح العدو.

أما أكثر الشعوب معاناة من ذلك الواقع المرِّ فهو الشعب المصرى، الذى حُرِّم عليه فى الأحداث الأخيرة أن يتظاهر -مجرد التظاهر- لدعم إخوانه فى فلسطين، فهل هذا واجب الأنظمة الذى فرضه عليهم دينهم وأمانتهم؟ وهل هذا واجبهم الوطنى؟ بل هل هذا واجبهم الإنسانى وهم يرون أطفالًا وشيوخًا بالجملة يُدفنون تحت الأنقاض التى خلفتها قنابل الصهاينة الفراغية.

اللهَ اللهَ فى فلسطين وفى أهليها ومقدساتها إن كان فيكم رجل رشيد وإن كنتم لا تزالون تدَّعون الوطنية والعروبة والإسلام، فإن من أوجب الواجب الآن، إسلاميًّا وعربيًّا ووطنيًّا، أن نكف الأذى عن إخوتنا فى فلسطين، بل أن نقتلع ذلك الكيان ونزيله من الوجود وأن نعيد من فيه من السُرَّاق إلى بلدانهم التى أتوا منها. وهذا لا يكون بالقول فقط، بل يلزمه الفعل، ويلزمه المبادأة وليس رد الفعل، وبدلًا من إرسال مائة أو مائتى طن من الأغذية إلى غزة لإطعام أهلها وجب إرسال مائة طن أخرى من الأسلحة كى يحموا بها أرضهم وكرامتهم؛ لأن كرامتهم من كرامتنا، وإذا سُلبت أرضهم اليوم سوف تُسلب أرضنا غدًا.

أما شعوبنا التى تنبض بالإسلام فلا تحتاج النصيحة، فهى تدرك دورها جيدًا رغم ما تعانيه من آلام وما يقع عليها من ظلم الحكام، ولكنّا نذكِّر الغافل منها بأن من الواجب عليه دعم إخوته فى سائر فلسطين، بكل سبل الدعم المتاحة والمؤثرة، وأن عليه عقد نية الجهاد، والجهاد أنواع ودرجات فليراجعها فى مظانها بالتفصيل؛ لأنه لن تتحرر فلسطين إلا بالجهاد، ولن تنهض أمة من أمم المسلمين إلا به.