“فايننشيال تايمز”: عاصمة السيسي الإدارية نموذج للاقتصاد العسكري الفاسد

- ‎فيأخبار

نشرت صحيفة "فايننشيال تايمز" تقريرا سلطت خلاله الضوء على العاصمة الإدارية الجديدة، التي ينفذها عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب في الصحراء.

وقال التقرير، الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة":" إن السيسي قدم تنبؤا كان جريئا حتى بمعاييره، وقال خلال لقاء عسكرى إن افتتاح " عاصمة إدارية جديدة " تغطى مساحة من الصحراء تعادل مساحة سنغافورة سيمثل " ولادة دولة جديدة".

وأضاف التقرير أن كلمات السيسي ستوضع قريبا على المحك، ففي أغسطس، سيبدأ الموظفون المدنيون في الانتقال لمسافة 45 كيلومترا من الوزارات في وسط القاهرة إلى العاصمة الجديدة، حيث يضع عمال البناء اللمسات الأخيرة على "الحي الحكومي" الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار والهدف من ذلك هو أن يعمل 000 55 موظف من بين أكثر من 30 وزارة جديدة ضخمة بحلول نهاية العام، في نهاية المطاف ، مع التطورات الخاصة جنبا إلى جنب مع المشاريع العسكرية ، والهدف هو أن يكون عدد سكان المدينة 6.5 مليون نسمة .

ويجسد المشروع، الذي يتوقع أن تبلغ تكلفته 45 مليار دولار عند إطلاقه قبل ست سنوات، رؤية السيسي للتنمية وكيفية القيام بها: فالعسكريون في المقدمة والوسط بلا خجل ويجري بناؤه على نطاق فرعوني ويصر السيسي على أنه يمثل "إعلان جمهورية جديدة" حتى في الوقت الذي يعتبره المتشككون مشروعا غرورا لا يستطيع بلد ذو أولويات أكثر إلحاحا تحمله.

وأوضح التقرير أن العاصمة الجديدة شرق القاهرة هي مشروع البنية التحتية الرئيسي من بين الآلاف الذين تولى الجيش المسؤولية عنها منذ أن استولى قائد الجيش السابق على السلطة في انقلاب عام 2013، ولكن مثلما تثير العاصمة الإدارية ردود فعل متناقضة، يتساءل بعض المصريين أيضا عما إذا كانت النجاحات الاقتصادية التي يهتف بها أنصار السيسي سرابا أكثر منها حقيقة واقعة.

ويقول أكاديمي مصري: "يبدو الاقتصاد صحيا من الخارج، ولكن إذا أمعنت النظر، تجد أن كل ذلك مبني على الرمال المتحركة".

تغول الجيش

ويتمثل جوهر المخاوف في أن توسع دور الجيش في الدولة والاقتصاد يزاحم القطاع الخاص ويخيف المستثمرين الأجانب، ويقول خبير اقتصادي مصري: "الخوف الحقيقي لدى الناس هو أن يدخلوا وينفذوا مشروعا ثم يأتي الجيش ويكرر هذا المشروع ويقوضكم".

وبحلول عام 2016، أجبر تضاؤل الاحتياطات الأجنبية ونقص الدولار القاهرة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار. وكجزء من الحزمة، سمح النظام الانقلابي للجنيه المصري بخفض قيمته، مما تسبب في انخفاض قيمة العملة إلى النصف؛ مما زاد من الإضرار بالثقة وتآكل القوة الشرائية، وكان ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة عوائق إضافية أمام الاستثمار الخاص.

ولكن بعد ثماني سنوات من استيلاء السيسي على السلطة، هناك خوف متزايد من أن يكون التوسع الاقتصادي العضلي للجيش لا رجعة فيه، ويقول خبراء الاقتصاد :"إن هذا النشاط لا يُولّد فرص عمل منتجة كافية لمعالجة تفشي البطالة والفقر بين الشباب في البلاد التي تضم 100 مليون نسمة".

وقد انخفض معدل العمالة من 44.2 في المائة بين المصريين في سن العمل في عام 2010 إلى 35 في المائة في الربع الثاني من العام الماضي، حتى مع دخول ما يقدر بنحو 800,000 خريج سنويا سوق العمل، وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، والضغوط الديموغرافية والاجتماعية سوف تتراكم فقط ؛لأن معدل الخصوبة البالغ 3.5 طفل لكل امرأة مصرية يعني أن عدد السكان سيتضخم بمقدار 20 مليون نسمة خلال العقد المقبل.

يقول الأكاديمي: "لدينا نمو بنسبة 5 في المائة، لكن 2.5 في المائة تأتي من المعادن [النفط والغاز] التي تجلب المال لكنها لا تخلق فرص عمل، وهو الشيء الوحيد الذي سينقذنا". "أما النسبة الأخرى، وهي 2.5 في المائة، فهي العقارات [والبناء]، وهي عمالة وهمية بمجرد التوقف عن البناء، لن تكون هناك وظائف".

ويقول البنك الدولي:" إن الاستثمار الخاص ارتفع بشكل طفيف في عام 2019، لكنه يضيف أن ترجيحه في الاقتصاد لا يزال أقل من المتوسطات التاريخية وأقل بكثير من البلدان النظيرة مثل الأردن والفلبين".

وحتى أنصار السيسي الأقوياء يثيرون الشكوك مع إجبار الشركات على التنافس، أو حتى التنافس، مع الجيش، الذي يسيطر على جزء كبير من الأراضي المصرية، ويمكنه استخدام العمالة المجندة، وهو مُعفَى من ضرائب الدخل والعقارات، ولا يخضع إلا للسيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وأعرب عن أسفه لأن المشاكل الهيكلية العديدة التي أعاقت نمو القطاع الخاص لفترة طويلة، من الفساد والروتين إلى سوء الخدمات اللوجستية، لا تزال تردع الاستثمار والآن هناك تزاحم من قِبَلِ الدولة – إنه الجيش والحكومة في كل قطاع"، كما يقول. "سمها ما شئت".

إصلاحات شكلية

أشاد المديرون التنفيذيون، والمصرفيون الغربيون، وصندوق النقد الدولي أيضا عندما دفع السيسي بإصلاحات نقدية ومالية صارمة، بما في ذلك خفض الدعم وفاتورة الأجور في الدولة، مع زيادة ضريبة القيمة المضافة لتأمين قرض بقيمة 12 مليار دولار.

لكن السيسي لم يرد أبدا على الترحيب الذي تلقاه من قطاع الأعمال، وفي اجتماع مبكر مع المديرين التنفيذيين المصريين، قال لهم السيسي: "إنهم استفادوا في عهد مبارك وكانوا بحاجة إلى رد الجميل  والتبرع بمبلغ 100 مليار جنيه إسترليني للنظام"، وفقا لرجال الأعمال الذين تبرعوا.

منذ البداية أراد استخدام الجيش في إدارة المشاريع وكأداة لمشاريع البنية التحتية الكبيرة، غريزتي تقول لي:" إنه كان يفضل أن يترك الأمر على هذا النحو". لكنه شعر بعد ذلك بالرفض من قبل القطاع الخاص الكبير القديم، الذي اعتقد أنه لا يمكن الوثوق به ،وقد يشكل شكلا من أشكال المعارضة السياسية، ثم يأتي الضغط على الجيش للاستثمار في جميع الصناعات".

كان الجيش حجر الأساس للدولة منذ انقلاب جمال عبد الناصر عام 1952، وقد تعمقت مصالحه التجارية بعد أن أعاد اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1979 تحديد دور الجيش، ولكن حتى السيسي، ظل إلى حد كبير في الظل.

وبعد أن أحاط مبارك نفسه في البداية بمستشارين عسكريين، تودد تدريجيا إلى المدنيين الذين بدأوا في تحرير الاقتصاد. في عهد السيسي، انتقلت مصر من دولة بوليسية إلى دولة يقودها الجيش، بحسب محللين.

دولة الجيش الاقتصادية

وتمتد مخالب الجيش عبر الاقتصاد، من الصلب والإسمنت، إلى الزراعة ومصايد الأسماك، والطاقة، والرعاية الصحية، والأغذية والمشروبات، ولم تسلم حتى وسائل الإعلام، حيث استولت الكيانات المرتبطة بأجهزة أمن الدولة على الصحف والقنوات التلفزيونية ودور الإنتاج.

إن غياب الشفافية يجعل من الصعب تحديد النطاق الكامل للدور الاقتصادي للجيش. وفي يونيو الماضي، قال رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي :"إن مصر أنجزت مشاريع بقيمة 4.5 مليون جنيه إسترليني (287 مليار دولار) على مدى ست سنوات" وقال قائد الهيئة الهندسية في الجيش، إيهاب الفار:" إن الأموال أُنفقت على 20 ألف مشروع، مضيفا أن الجيش استثمر 1.1 مليون جنيه إسترليني أخرى على 2800 مخطط بناها الجيش". قال السيسي لفايننشيال تايمز في عام 2016:" إن أعمال الجيش كانت لضمان الاكتفاء الذاتي للبلاد، وليس التنافس مع القطاع الخاص".

وذكر تقرير البنك الدولى أن هناك 60 شركة تابعة لكيانات عسكرية تعمل في 19 من 24 صناعة تابعة لمعايير تصنيف الصناعة العالمية ، وها هي هيئة تصنيف الصناعة. تسيطر منظمة مشاريع الخدمة الوطنية التابعة للجيش على 32 مشروعا، تم إنشاء ثلثها بعد عام 2015.

ويُقدر يزيد صايغ، وهو باحث بمركز مالكولم كير كارنيجي للشرق الأوسط، أنه في عام 2019، حققت الكيانات التابعة للجيش دخلا يتراوح بين 6 مليار دولار و7 مليارات دولار.

ولكن امتدادها عبر الاقتصاد هو أمر بالغ الأهمية، وقال: "الأسئلة الحقيقية هي ما هي الآثار الصافية على المالية العامة، وعلى القطاع الخاص، وعلى حجم الاستثمار الأجنبي وإلى أين يذهب؟، الدخل الكبير ولا شك أنه يخلق حصة سيدافع عنها الجيش بأي ثمن تقريبا، ولكن في الوقت الراهن فإن الدور هو الأهم".

وكان أبرز مثال على تأثير الجيش على القطاع الخاص هو الإسمنت، وافتتح الجيش مصنعا جديدا بقيمة 1.1 مليار دولار في عام 2018 أضاف 12 مليون طن من الطاقة الإنتاجية السنوية إلى القطاع. وقد فعل ذلك حتى مع تراجع الطلب على الأسمنت وتسيير القطاع لطاقة أقل بكثير.

ويقول مسؤولون في الصناعة:" إن الجيش يمثل الآن 24 في المائة من الطاقة الإنتاجية، ودفع تدخله العديد من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص نحو الانهيار"، وقال المسؤولون إن ذلك دفع بعض المستثمرين إلى التفكير في البيع ، بَيْدَ أنه لم يكن هناك مشترين على استعداد لدخول السوق التى تعاني من فائض فى المعروض.

ويبدو أن تدخل الجيش استند إلى افتراض خاطئ بأن استهلاك مصر من الأسمنت سيرتفع إلى عنان السماء، إنها رواية تتناسب مع ما يصفه مايكل وحيد حنا، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، بأن هذا هو "دافع" السيسي إلى اللجوء إلى الجيش "لإنجاز الأمور".

وأضاف حنا: أنه يكتسب زخما خاصا به، وأضاف "من الصعب القول إن هناك رؤية اقتصادية مدروسة جيدا بدلا من الاندفاع والشك".

ويعتقد حنا أن أحد أسباب هذه الظاهرة هو حقيقة أن السيسي، الذي يقود النظام الأكثر قمعا منذ عبد الناصر، ليس له قاعدة مؤسسية في المجتمع، مضيفا "ليس لديهم أي نوع من الهياكل الحزبية، وهذا جزء من السبب في اعتمادهم الكبير على الجيش والقطاع العام، فمشروعهم هو شل النظام السياسي الذي يقوده المدنيون".

وتكافح مصر من أجل تحقيق التوازن في دفاترها منذ سنوات، وهي تعاني من عجز كبير في الحساب الجاري والميزانية، وتمثل الإعانات وأجور القطاع العام، ومدفوعات الفائدة الأجنبية 110 في المائة من الإيرادات، وفقا لغولدمان ساكس.

ومع إغلاق وباء الفيروس التاجي لقطاع السياحة الحيوي ،وسحب المستثمرين ما لا يقل عن 13 مليار دولار من أسواق الديون والأسهم، اضطرت القاهرة إلى اللجوء مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولي في العام الماضي، وحصلت على أكثر من 7 مليار دولار من القروض، مما رفع إجمالي الائتمان المصري غير المسدد للصندوق إلى 19 مليار دولار، وهو ثاني أكبر مبلغ بعد الأرجنتين.

ويقول خبراء اقتصاديون: "إن المالية العامة في مصر أظهرت مرونة خلال الجائحة، وتمكنت القاهرة من الاستفادة من أسواق رأس المال في الأوقات الصعبة، ولكن من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 93 في المائة في السنة المالية 2020/2021، وفقا لصندوق النقد الدولي"، في حين أن المصادر الرئيسية الثلاثة للعملة الأجنبية في القاهرة مُعرضة جميعا للعوامل الخارجية – السياحة والتحويلات المالية وتدفقات الحوافظ المالية إلى الديون المحلية".

وتعتمد هذه الأخيرة على ارتفاع أسعار الفائدة، التي تشكل عائقا آخر أمام الاستثمار الخاص. ويقول الخبير الاقتصادي: "لا يمكنك الاستمرار في الاعتماد على التدفقات القصيرة الأجل والمراهنة على التحويلات والسياحة"، مضيفا أنه يجب على النظام أن يسمح للقطاع الخاص بالتنفس وتحفيز الصناعة وتعزيز الصادرات.

https://www.ft.com/content/00a7b285-87c8-448c-998e-30457d1af85c