وما لبنان “الغارق” عنا ببعيد

- ‎فيمقالات

يوم 2 يونيو الجاري صدر تقرير خطير عن البنك الدولي عنوانه "لبنان يغرق"، يرصد بالتفصيل ملامح الأزمة المعيشية والاقتصادية المالية التي تعيشها البلاد والتي اعتبرها من أكثر الأزمات حدة على مستوى العالم.

بل ورجح البنك الدولي أن تحتل الأزمة اللبنانية مرتبة من الثلاث الأولى من الأزمات الأكثر حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، خاصة مع عدم وجود حل في المستقبل المنظور.

التقرير حذر أيضا من أنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها لبنان "تخاطر بفشل وطني شامل له عواقب إقليمية وعالمية محتملة"، خاصة مع تفاقم الأزمة المعيشية وزيادة معاناة المواطن".

إذ إنّ 41% من الأسر يصعب عليها الحصول على المواد الغذائيّة وسدّ حاجاتها الأساسيّة الأخرى، كما قفز معدل التضخّم ليبلغ 84.3% في عام 2020، وبات لبنان مهددا بظلام شامل، في ظل عجز حكومي عن تأمين وقود تشغيل محطات توليد الكهرباء، بسبب عدم توفر نقد أجنبي للاستيراد، وتلكؤ مصرف لبنان المركزي في تدبير تلك الاحتياجات.

كما يتلكأ المصرف في تدبير احتياجات أخرى لتمويل واردات سلع أساسية، مثل الأدوية والقمح وغيره، إضافة إلى تفاقم أرقام البطالة والفقر والفساد المالي وتهريب الأموال.

ما يحدث في لبنان لا يقف عند حد وصف البنك الدولي له بالغرق ومواجهة أعنف الأزمات في التاريخ الحديث وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ولا يقف عند توقف البلاد عن سداد ديونها الخارجية والوقوع في مستنقع الديون والفساد العفن.

ولا يقف عند حجز بنوكها أموال المودعين في مشهد يبدو أقرب إلى المصادرة، ولا يقف عند حدود تهاوي قيمة العملة المحلية من 1500 ليرة للدولار الواحد لأكثر من 15000 ألف ليرة حاليا، وتحكم السوق السوداء في سوق العملة، واختفاء الوقود وانقطاع الكهرباء.

ولا يقف عند أزمات نقص الدواء وأخرى تقُطًع أوصال البلاد، وقفزات أسعار المواد الغذائية، وطوابير الحصول على عدة لترات من البنزين في محطات وقود تشهد زحاما شديدا، بل يتعداه لما هو أخطر، حياة المواطن ومستقبله.

وقبلها مستقبل وطن يضيع وسط أحزاب وطوائف متناحرة فشلت في توفير الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها الأساسية إنقاذ البلاد من الانهيار الكامل وانتشال ما يمكن انتشاله من الغرق.

والملفت أن أزمة بهذا الحجم يصار إلى التعامل معها من قبل مسؤولين يتعاملون معها بسياسات وقرارات تافهة وسطحية، واستخفاف كبير وبأسلوب تمرير الوقت وتهدئة غضب الناس بخطط معيشية مضللة وقصيرة الأمد، كما يقول لبنانيون.

ما يحدث في لبنان حاليا من انهيار شامل في كل مناحي الحياة هو رسالة صارخة لحكومات دول المنطقة، خاصة تلك التي باتت حكوماتها تغض الطرف عن الفساد المستشري والتفاوت الطبقي وتركز الثروة وتهريب الأموال إلى الخارج ونهب المال العام، وتعتمد على قروض صندوق النقد والبنك الدوليين في سد عجز الموازنة العامة والفجوة التمويلية للبلاد، بل وفي تمويل إقامة مشروعات لا تمثل أولوية للمواطن والاقتصاد بالقروض، وتتوسع في الاستدانة المحلية، وتستدين مزيداً من الأموال لسداد أعباء الديون المستحقة، وتغرق الأجيال المستقبلية في تلال من الديون، وارتمت في أحضان المؤسسات المالية الدولية.

رسالة قوية من لبنان، الدولة والشعب، لحكومات دول المنطقة مفادها أنه إذا لم تتوقفوا عن الاستسهال في الاقتراض الخارجي، وتتخذوا خطوات جدية لمكافحة الفساد المالي ونهب المال العام، وتراعوا الطبقات الفقيرة وتوفروا فرص عمل، فستلحقوننا في وقت قريب غير بعيد.