إبراهيم الديب يكتب: قوانين التحول الديمقراطي.. الجزائر نموذجا

- ‎فيمقالات

تداول وتطور حياة المجتمعات والأمم سنة كونية جارية لها قوانينها الحاكمة لها، للمجتمعات الدينية وغير الدينية. أكتفي بالقوانين الخمسة الأساسية الحاكمة لأي صراع بشري، التي يعد الانحراف أو التخلي عن أحدها من قبل الوطنيين المصلحين الديمقراطيين الساعين لتحرير وتنمية شعوبهم؛ استسلاما وإقرارا بالفشل وتضييعا لوقت ومقدرات وفرص تحرر الشعوب، وإحداث تحول اجتماعي واقتصادي وسياسي في حياة الشعوب.

1- قانون استمرار التدافع بين الناس

"الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40).

استمرار التدافع بين حكم الاستبداد الذي تقودة عصابة تسرق السلطة والثروة وحلم الشعوب في التنمية والنهضة والعيش الكريم؛ لحساب نخبة محدودة فاسدة لا تبلغ 1 في المئة من الشعب، وبين قوى وطنية تسعى لتمكين الإرادة الشعبية واسترداد حقوق وثروات وكرامة وحاضر ومستقبل الشعب. هذا التدافع مستمر ما دامت الحياة تحكمها قوانين القوة وتوازن الردع السياسي.

2- قانون العمل وعاقبته بين الجزاء والعقاب

"لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً" (النساء: 123).

تحرير وإصلاح المجتمعات لا يتوقف على مجرد الأماني والأحلام والتطلعات، والبيانات والخطب، إنما هو مقرون بالتخطيط والعمل الصحيح الفاعل، والالتزام بأعلى معايير الجودة، والأخذ بأفضل الطرق والأساليب. ومن أخل بذلك فله العقاب وتكرار الفشل نتيجه تقصيره وربما الاعتقال والتشريد والقتل، ومن أحسن فله النجاح، وفي ذلك تنافس وتدافع مستمر بين الإصلاحيين وعصابة السلطة وفق التحديث المستمر لمستجدات وتقنيات العصر.

3- قانون الإعداد الشامل والردع

"وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ" (الأنفال: 60).

الأخذ بأسباب القوة السياسية اللازمة كافة؛ من وعي مجتمعي، وإعداد قيادي رفيع لرجال الدولة القادمين، ومشروع وطني بديل يجيب على أسئلة الهوية والاقتصاد والسياسية، ووحدة واحتشاد وطني لقوى الإصلاح، بهدف تحقيق الردع القوي لعصابة السلطة، ويجعلها تفكر مليا قبل الإقدام على أية محاولة للتوغل على حقوق الشعب.

4- إصرار الباطل، وعدم قابليته للتنازل الطوعي عن السلطة والثروة

"وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً" (الكهف: 56).

"قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر: 29).

ترى العصابة من لصوص السلطة وثروات الشعوب؛ المعركة مع دعاة الديمقراطية معركة صفرية لا مرونة ولا هوادة فيها، وتحت الضغط الشعبي يضطرون إلى إبداء شيء من المرونة للمرواغة ومحاولة خداع وتخدير وتنويم الشعب والتخفيف من ضغطه، وانتظار الفرصة لإعادة إحكام القبضة على مقاليد الأمور، والانتقام من الشعب الذي حاول الخروج عليهم.

وفي المقابل، يرى الوطنيون المصلحون المعركة على غير حقيقتها مع عصابة السلطة، حيث يتخيلونها تنافسا وتدافعا ديمقراطيا شريفا على تداول السلطة، وهذا ما يوقعهم في فخ المراوغة، ببعض المكاسب الجزئية الوهمية لحين مجيء الفرصة لعصابة السلطة لإعادة الأوضاع إلى المربع الصفري الأول للشعب.

وهذا يتطلب يقظة النخبة، ووعيا وضغطا شعبيا سلميا حضاريا مستمرا حتى انتزاع الحقوق والثروات كاملة، وتفكيك أركان الدولة العميقة للعصابة.

5- النصر الأكيد لمن استوفى شروطه

"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ۚ يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور: 55).

"وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" (القصص: 5).

وعد الله تعالى بالتمكين لقوى الإصلاح الوطني، المشروط بالإيمان والعمل الصالح المتجرد لخدمة المصالح الوطنية، وإعلاء مصلحة الوطن على كل ما سواها من مصالح حزبية وشخصية، والتطهر من الفساد بأشكاله كافة؛ السياسية والمالية والأخلاقية.

النموذج الجزائري

في هذا السياق السابق من سنن وقوانين إدارة عمليات الإصلاح الاجتماعي والسياسي؛ يأتي النموذج الجزائري في مقدمة النماذج التحولية المرتقبة نحو تحول ديمقراطي كبير متوقع، لما يتمتع به من معطيات تعزز من فرص نجاحه بتحول ديمقراطي هادئ ومتدرج، من أهمها:

1- استمرار الحراك الجزائري الحضاري على مدار ثمانية وأربعين أسبوعا متتاليا، بدون أي مشاكل.

2- التزام الحراك الشعبي بعلم وراية واحدة هي العلم الوطني الجزائري، بعيدا عن التحزبات السياسية المتنوعة.

3- الجمع بين الحراك المركزي في العاصمة مع بعض الولايات، وإمكانية انتشار الحراك في وقت واحد في أغلب ولايات الجزائر، مع المساحة الواسعة للجزائر التي يصعب معها انتقال الأفراد من الولايات إلى العاصمة، كما تصعب السيطرة الأمنية إلا في العاصمة فقط.

4- خروج الحراك الشعبي عفويا بدون قيادة واضحة ومحددة تحركه في مرحلته الأولى. أما الآن، وبعد إجراء الانتخابات النيابية في حزيران/ يونيو 2021، فإن الحراك الشعبي سيختلف كثيرا، حيث أصبح يمتلك قيادات رسمية شعبية منتخبة، تمتلك شرعية نيايبة لقيادة الحراك في كل ولاية، وكذلك مركزيا في العاصمة.

5- التوافق الأولي الذي بدا واضحا عشية ظهور النتائج الرسمية للانتخابات. هذا التوافق بين القوى السياسية المختلفة على حكومة وحدة وطنية تمثل الأوزان النسبية للتمثيل النيابي؛ يصنع حالة من التوافق السياسي الكبير الداعم للحراك الشعبي، اللازم لاستكمال مسيرة الإصلاح السياسي الهادئ المتدرج في الجزائر، لتعزيز نوايا واتجاهات الحكومة نحو الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي المعززة بشرعية نواب الشعب المنتخبين.

……………..

نقلا عن: عربي 21