جريمة اقتصادية على هوى “صندوق النقد”.. تدمير بنك الاستثمار القومي لإنعاش “صندوق السيسي السيادي”

- ‎فيأخبار

نقلت جريدة «البورصة» عن وثائق المراجعة الثانية لاتفاق صندوق النقد المنقضي مع مصر. مؤخرا نية حكومة السيسي لتصفية بنك الاستثمار القومي نهائيا، بعدما قلصت دوره الاستثماري والذي لعب دورا كبيرا في تحقيق التوازن المالي والاقتصادي في السوق المصري، عبر تمويلاته للمشاريع الإستراتيجية ودوره في امتصاص السيولة من السوق وقت تعويم الجنيه المصري ، حيث كانت أنظار المستثمرين والمواطنين متوجهة نحو الدولرة، فأصدر شهادات استثمارية بفوائد 20% ، حمت الاقتصاد من مخاطر الدولرة.

وكان بنك الاستثمار القومي توقف عبر عقود عن وبسبب سياسات العسكرة والاستفراد التي يمارسها نظام السيسي، تقلص دور البنك القومي للاستثمار عن المهمة التي قام من أجلها، حيث نشأ لمهام قومية كبيرة، على رأسها إدارة أموال التأمينات، وتمويل خطة التنمية الاقتصادية، واستثمار أموال المنح، قبل أن تُنتزع منه قبل شهور أهم موارد السيولة لديه وهي شهادات الاستثمار التي كانت البنوك الحكومية تصدرها بالنيابة عنه باعتباره بنكا ذا طبيعة خاصة لا يتعامل مع الجمهور مباشرة.
وكان قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، الصادر في 2019، قد نقل كل أموال المعاشات من بنك الاستثمار القومي إلى وزارة التضامن الاجتماعي.
وفضلا عن ذلك، فقد توقفت الحكومة عن محاولة استغلال وتشغيل أموال المنح الأجنبية عبر بنك الاستثمار القومي، لأن تلك المنح لم تتدفق على مصر بالحجم الذي كان متوقعا وقت تأسيس البنك، وأصبحت المنح تنتقل للموازنة العامة كجزء من الإيرادات العامة، كما يقول أبو باشا.
ومن ضمن الكوارث التي يكتنفها قرار تصفية البنك وتحويل أصوله لصناديق السيسي السرية التي يكتنفها الغموض والسيطرة ومن ثم الفساد المالي، أن برنامج الاتفاق الموقع مع صندوق النقد العام الماضي، طالب الحكومة المصرية بتصفية البنك، تحت مسمى "التطوير".

ووفق الخبير المالي بشركة هيرميس، محمد أبو باشا فمن الواضح، وفقا لحديث بعض خبراء صندوق النقد، أن "بنك الاستثمار القومي قد بدأ في لفت نظر الصندوق إليه ككيان «غامض»، على خلفية دوره في طرح شهادات استثمار مرتفعة الفائدة للغاية بعد قرار تحرير سعر الجنيه من ناحية، ثم دوره في تمويل شراء أذون حكومية بشكل كثيف للغاية عام 2019/2018 الذي شهد انسحاب الكثير من المستثمرين الأجانب من سوق الدين الحكومي وقتها".

كان بنك الاستثمار القومي قد أطلق شهادات مرتفعة العائد للغاية بلغت الفائدة عليها 20% بعد يومين فقط من قرار تحرير سعر الجنيه في نوفمبر من عام 2016 الذي صاحبه تراجع كبير للغاية في سعره، وساهمت تلك الشهادات وقتها في إغراء الجمهور بالإبقاء على مدخراتهم بالجنيه المصري.

ففي هذا الوقت، «بدا ملفتا للنظر للغاية بالنسبة لصندوق النقد الدولي أن البنك تمكن من توفير حجم من السيولة يكفي لتمويل رفع الفائدة بالنسبة لشهادات الاستثمار التي طرحها للجمهور إلى تلك المستويات القياسية، وهو ما يعود طبعا للامتيازات التي يتمتع بها وحده. ففي ذلك الوقت كان البنك يتمتع بإعفاء ضريبي على الأرباح التي يحققها من الفوائد التي يجنيها من إقراض الحكومة، كما أنه باعتباره ليس خاضعا لقانون البنوك أصلا، يتمتع بوضع تفضيلي بالنسبة لأي بنك آخر، إذ يُسمح له باستغلال كل موارده دون التقيد بإيداع جانب من أمواله لدى البنك المركزي في صورة (مجنبات)، وهو ما يعني أن البنك حر في تشغيل كل أمواله بعكس بقية البنوك العاملة في السوق، وهو ما يزيد بطبيعة الحال من أرباحه».

وكان مجلس نواب العسكر قد مرر العام الماضي مشروع قانون كانت قد تقدمت به وزارة المالية بحكومة الانقلاب يقضي بإلغاء أو تخفيض إعفاءات من الضرائب على الأرباح من الأذون والسندات كانت عدد من الجهات تتمتع بها، من ضمنها بنك الاستثمار القومي.

تصفية قسرية

وأمام التصفية القسرية للبنك، توجه صندوق السيسي السيادي، للاستيلاء على ممتلكات البنك القومي واستثماراته وأصوله لدى البنوك والجهات الأخرى، ووفقا لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية، فإن الصندوق سيستحوذ على حصة البنك البالغة 69% في شركة المدفوعات الإلكترونية المملوكة للدولة "إي فاينانس"، وكذلك حصصه في شركات أخرى بقطاعي البتروكيماويات والتعدين.
ويمتلك بنك الاستثمار القومي حصة قدرها 24.8% في شركة "أبو قير للأسمدة"، و12.8% في شركة "مصر لإنتاج الأسمدة" (موبكو)، و6.9% في شركة "سيدي كرير للبتروكيماويات".
وكلها بالطبع شركات استثمارية ناجحة وتضطلع بقكاعات إنتاجية إستراتيجية، قد لا تجذب الاستثمارات الخاصة، وهي إستراتيجية البنك القومي القائم على الاستثمار الإستراتيجي لا الاستثمار الاستهلاكي، كما يحب السيسي وعساكره.

ويعكف الصندوق السيادي والمجموعة المالية "هيرميس" على إتمام عملية الاستحواذ على حصة قدرها 76% من بنك الاستثمار العربي، والذي يمتلك

بنك الاستثمار القومي 91.42% من أسهمه.

ويعمل الصندوق أيضا على جذب مستثمرين لتحديث شركة الصالحية للاستثمار والتنمية التي تنتج السلع الأساسية، ويمتلك بنك الاستثمار القومي 44% من رأسمالها.

ويمتلك البنك حصصا في مجموعة من الشركات الأخرى المُدرجة في البورصة، بما في ذلك 40.7% من البنك المصري لتنمية الصادرات، و25.3% من "إيجيترانس"، و20% من "مصر بني سويف للأسمنت"، و10% من مصرف "أبو ظبي الإسلامي -مصر"، و9.6% من "مصر للأسمنت -قنا"، و3.7% من مدينة نصر للإسكان والتعمير، و1.1% من شركة المالية والصناعية المصرية.

والغريب أن يتم كل ذلك التخريب من تصفية بنك الاستثمار القومي، وبيع الحصص المملوكة للبنك في جميع شركاته التابعة، والترويج على أن ذلك جزءا من خطة الإصلاح المُتفق عليها مع صندوق النقد الدولي العام الماضي، وفق ما ذكرته صحيفة "البورصة" المحلية نقلا عن مصادر مطلعة.
وتهدف عملية التصفية إلى بيع تلك الأصول في غضون الـ 18 شهرا المقبلة.

وكان البنك قد تأسس مطلع الستينيات بغرض إدارة أموال الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية آنذاك، ثم الإشراف على الخطط الاستثمارية للحكومة.

ووفقا للموقع الرسمي للبنك، فإنه "قام خلال ما يزيد عن 40 عاما بأكبر عملية لتعبئة المدخرات المحلية لاستخدامها في تمويل إنشاء وتنفيذ المشروعات المدرجة ضمن خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتتالية للدولة، وقد ساهم ذلك في إنشاء بنية أساسية ضخمة فى كافة المجالات أضافت طاقات إنتاجية هائلة أدت إلى جذب المزيد من الاستثمارات وتحقيق معدلات نمو عالية على مدى العقود الماضية".

وشملت مساهمات البنك إنشاء محطات توليد كهربائية وشبكات لنقل وتوزيع الكهرباء، ومحطات وشبكات المياه والصرف الصحي، فضلا عن شبكات الطرق والكباري والسكك الحديدية والموانئ والزراعة والري والخدمات والإسكان والمدن الجديدة والمشروعات التعدينية، وغيرها من مجالات النشاط الاقتصادي.

وبلغت قيمة الاستثمارات التي قامت الدولة بتنفيذها وتولى بنك الاستثمار القومي تمويلها ومتابعتها خلال الفترة السابقة للجهات الحكومية والهيئات والوحدات الاقتصادية مئات المليارات من الجنيهات، في حين أن القيمة الحالية لتنفيذ تلك المشروعات أضعاف هذا المبلغ.
كذلك يساهم البنك في العديد من الشركات المشتركة في عدد من قطاعات الأنشطة الاقتصادية الرئيسية مثل الأسمدة والبترول والبنوك والخدمات المالية والصناعات الغذائية والتنمية العمرانية والصناعات المعدنية ومواد البناء والسياحة، إلى جانب عدد من المؤسسات العربية بمشاركة جميع الدول العربية.
وهكذ ا تضيّع مصر مقدراتها الاستثمارية والإنتاجية من أجل صندوق السيسي الغامض والبعيد عن الرقابة، من أجل إثراء ثلة من العسكريين يسيطرون على مفاصل الاقتصاد والدولة وعلى المصيريين تحمل نتائج صمتهم على ذلك التخريب غير المسبوق في تاريخ مصر القديم والحديث.