كيف يقود السيسي مصر نحو الإفلاس على النموذج الأوغندي؟

- ‎فيتقارير

يعمل الدكتاتور عبدالفتاح السيسي على جرجرة مصر نحو الإفلاس على النموذج الأوغندي؛ فالسيسي أمام فشله في إدارة موارد الدولة المصرية على نحو صحيح بات يعتمد على مصدرين أساسيين أمام شح الموارد وضعف إيرادات الدولة، هما التوسع في الاستدانة الخارجية والمحلية. وفرض المزيد من الرسوم والضرائب حتى باتت إيرادات الضرائب تمثل 80% من جملة الإيرادات في الموازنة العامة للدولة.

وقبل أسابيع، اعترفت أوغندا وهي الدولة الإفريقية التي تنتتمي إلى حوض النيل، أن الصين وضعت يدها على مطار عنتيبي الدولي في أوغندا، بعد أن تخلّفت الحكومة الأوغندية عن سداد ديون حصلت عليها من بكين لتمويل مشروع توسعة المطار. ورغم نفي المتحدث باسم السفارة الصينية في أوغندا، يوم الأحد 28 نوفمبر 2021م،  نيّة الصين وضع يدها على المطار، فإن حكومة أوغندا اعترفت بهذا الأمر، بل وتسعى لتعديل اتفاقية قرض وقعتها مع الصين في عام 2015 لضمان عدم فقدان الحكومة السيطرة على المطار الدولي الوحيد في البلاد، حسب ما نقلته وسائل إعلام عالمية، منها بلومبيرغ ومونيتور ووكالة الأنباء الألمانية، عن مصادر مطلعة.

وبحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام في مقال له بعنوان « خذوا العبرة من أوغندا»، والمنشور يوم 3 يناير 2022م بصحيفة "العربي الجديد" اللندنية، يحذر من أن ما حدث في أوغندا يبعث برسالة للحكومات العربية، خاصة تلك التي ترهن أصول الدولة مقابل الحصول على قروض خارجية ضخمة. الرسالة تقول إن التوسع في الاقتراض الخارجي خطر شديد، خاصة وأن حصيلة القروض لا توجه لتمويل مشروعات تدر عائد دولاري يوجه لسداد أعباء الديون، وأن هذا الخطر لا يقتصر فقط على اقتصاد الدولة ومواردها بل وعلى أصولها. مضيفا أن رسالة النموذج الأوغندي تؤكد أن المقرضين الدوليين لا يمنحون تلك القروض في شكل هبات ومنح وصدقات، بل وسيستردونها حتى ولو وصل الأمر إلى حد وضع يدهم على أصول الدولة في الداخل والخارج، وعلى احتياطيات الدول المقترضة الأجنبية المودعة في بنوك خارجية، بل والحجز على مقار السفارات والبنوك والمؤسسات الاقتصادية الحساسة.

ويحذر عبدالسلام الحكومات العربية من السقوط  والإفلاس على النموذج الأوغندي، منبها إلى أن الحكومات العربية تتوسع في الاقتراض الخارجي فتقع في مصيدة القروض القاتلة، وتغترف تلك الحكومات مليارات الدولارات من الخارج وبأسعار فائدة عالية ومبالغ فيها في بعض الأوقات، فيكون مصير دولها الطبيعي هو الوقوع في دائرة الديون السامة، وتكرار سيناريو لبنان والسودان واليونان وقبرص والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا والبرازيل والإكوادور وغيرها من الدول المفلسة.

العجيب في الأمر أن هذه الحكومات العربية الفاشلة من السيسي إلى البرهان إلى قيس سعيد وغيرهم من المستبدين العرب، يواصلون الاقتراض بشدة رغم التحذيرات المتلاحقة لها وضعف الإيرادات الدولارية والقدرة المستقبلية على السداد، فتدخل الدول المقترضة بعد ذلك في مرحلة أخطر وهي الانهيار الاقتصادي الكامل، ورهن قرارها السياسي والاقتصادي والمالي لأطراف خارجية يكون لها القول الفصل في تحديد أولويات الدولة، وأوجه إنفاق الإيرادات العامة، وتوزيع مخصصات الموازنة العامة، بل وربما يصل الأمر إلى وضع الدائنين أيديهم على أصول الدولة ومنها المطارات الرئيسية، كما حدث في أوغندا قبل أيام.

وتمضي حكومة الطاغية عبدالفتاح السيسي بمصر نحو النهاية الكارثية للنموذج الأوغندي، دون اكتراث للعواقب؛ وحتى دون الاعتبار من النماذج الأخرى الفاشلة في المنطقة كلبنان الذي استسهلت حكومته الاقتراض الخارجي لسنوات طويلة؛ حتى تحولت إلى دولة فاشلة ماليا ومنهارة اقتصاديا،  وعاجزة سياسيا بعد أن عجزت عن سداد الديون الخارجية المستحقة عليها، وورطت قطاعها المصرفي والمالي وهددت أموال المودعين، وأفقدت المستثمرين الأجانب وبنوك الاستثمار العالمية الثقة في الاقتصاد اللبناني كاملا. وكذلك السودان الذي تحول إلى دولة فاشلة بامتياز، يعاني مواطنوها شظف العيش وغلاء للسلع غير مسبوق، وتدهور البنية التحتية والخدمات العامة من كهرباء ومياه وطرق، وابتزاز من صندوق النقد والدول المانحة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ولولا مشاركة مصر في حرب الخليج الأولى (التحالف الأمريكي ضد العراق سنة 1991) وإسقاط 50% من ديونها الخارجية مقابل تلك المشاركة في الحرب، لدخل الاقتصاد المصري في دوامة لا يعلم سوى الله مداها وخطورتها، خاصة وأن مصر كانت تعاني في ذلك الوقت من تراجع في الإيرادات الدولارية وحوادث الإرهاب وغيرها. ورغم خروج مصر من مأزق الدين الخارجي، واسقاط نحو 43 مليار دولار من ديونها الخارجية في بداية التسعينيات من القرن الماضي، فإن الحكومة الحالية عادت لمستنقع القروض مرة أخرى، بل وتصر على التورط في مصيدة الدين الخارجي مع اقتراض نحو من 100 مليار دولار في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ثماني سنوات.

وكان تقرير أصدره البنك الدولي في منتصف أكتوبر 2021م قد كشف أن ديون مصر ارتفعت من 36.77 مليار دولار في نهاية عام 2010 إلى نحو 131.58 مليار دولار بنهاية 2020 وبنسبة ارتفاع بلغت نحو 257%. بينما ارتفعت بحوالي 90% خلال خمس سنوات حيث بلغت في نهاية عام 2016 نحو 69 مليار دولار. ويمثل الدين المصري الخارجي في نهاية 2020 نحو 37% من إجمالي الناتج المحلي، و324% من الصادرات، وذلك من 17% و74% بالترتيب.  ومقارنة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن ديون مصر تعد الأعلى، حيث تعادل نحو 35.5% من إجمالي ديون المنطقة في 2020 من نحو 19% في 2010.و25% في 2016.

وكانت ديون مصر في نهاية عام 2013 نحو 43 مليار دولار في يونيو 2013، ونحو 46 مليار دولار في يونيو 2014 عندما تولى عبدالفتاح السيسي السلطة رسميا، رغم أنه كان يمارسها فعليا منذ انقلاب 3 يوليو 2013م. وتوسعت حكومة 30 يونيو العسكرية في الاستدانة من الخارج ورفعت معدلات الديون العامة، بمكونيها المحلي والخارجي، إلى قيم غير مسبوقة في تاريخ البلاد، بواقع 4.7 تريليونات جنيه للدين المحلي، و134.8 مليار دولار للدين الخارجي، في نهاية مارس 2021م.

وتكاليف خدمة الديون في مصر تُعَدّ من بين أعلى الديون السيادية المصنفة، وفقاً لتقرير حديث لوكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني. ووفقاً الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2021-2022، فإن إجمالي الاستخدامات بلغت 2.461 تريليون جنيه (نحو 156.8 مليار دولار)، مقسمة إلى المصروفات بواقع تريليون و837 ملياراً و723 مليون جنيه، وحيازة الأصول المالية بقيمة 30 ملياراً و292 مليون جنيه، وسداد أقساط القروض بإجمالي 593 مليار جنيه. وقدرت الفوائد المطلوب سدادها عن القروض المحلية والأجنبية في مشروع الموازنة الجارية بنحو 579.6 مليار جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة في العام المالي الجديد نحو 1.172 تريليون جنيه. فيما استهدف مشروع الموازنة زيادة الإيرادات العامة للدولة إلى 1.365 تريليون جنيه، منها إيرادات ضريبية تقدر بنحو 983.1 مليار جنيه.