د. مصطفى يوسف اللداوي يكتب /نفتالي بينت بين السقوط الدامي والتعويم بالدم

- ‎فيمقالات

يوماً بعد آخر تسقط أوراق التوت البالية التي تستر حكومة نفتالي بينت، وتنهار الأعمدة المتهالكة التي قام عليها ائتلافه الحكومي الهش، وتقترب ساعة الحقيقة لحكومته التي استغرب الكثيرون تشكيلها وتوقعوا منذ اليوم الأول سقوطها وعدم صمودها، نتيجةً للتحديات الكبرى التي تواجهها، والإرث الثقيل الذي ورثته عن سابقتها، فضلاً عن أنها ائتلاف بين المتناقضين، وتكتل بين المتنافسين، ممن لا يجمعهم شيء سوى كرههم لنتنياهو وخوفهم من عودته، في الوقت الذي لا يملك رئيسها أكثر من ستة نوابٍ متشاكسين في الكنيست، يهددونه أكثر مما يدعمونه، ويبتزونه أكثر مما يحمونه، ويشكلون صواعق تفجيرٍ لحكومته أكثر مما هم عوامل اتزان وصمام أمانٍ لها.

 

لم يصدق نفتالي بينت يوم أن سعى يائير لابيد لتشكيل ائتلافٍ يضمه، أنه سيكون رئيس حكومة الكيان الجديد، وهو الذي يعرف نفسه ويدرك حقيقته، ولا يستطيع أن يخفي سجله، ولا أن يشطب من تاريخه دوره الوضيع في خدمة نتنياهو وزوجته، ويعلم قدراته ويرى حجم تمثيله الضئيل في الكنيست، ولكن الفرصة جاءته على طبقٍ من ذهبٍ ولو لنصف دورةٍ فقط، وقد أدخلته نادي رؤساء الحكومات، وجعلت منه مرشحاً لرئاستها في الدورات القادمة، ومكنته من أن يقدم نفسه ويستعرض برامجه المتطرفة أمام المستوطنين والمتدينين، وهم خزانه الانتخابي ورصيده في الشارع الإسرائيلي.

 

لن يتمكن نفتالي بينت من الصمود طويلاً في منصبه، وإن كان قد نجا لأكثر من مرةٍ من تصويتٍ لحجب الثقة عن حكومته، ولن يتمكن طبيب ائتلافه، والحريص على بقائه، ومهندس بنائه الحكومي يائير لابيد من حمايته من مصيره المحتوم وسقوطه المدوي، فالأيام القادمة ستسقطه حتماً، وستفكك ائتلافه، وستعيده إلى حجمه الطبيعي الذي كان عليه وربما إلى أقل منه بكثير، بعد أن فقدت حكومته الأغلبية البسيطة التي كانت تستند عليها وتمنعها من السقوط، وخسرت أعضاءً من حزبه وآخرين من الأحزاب المشاركة في ائتلافه.

 

نفتالي بينت في أزمةٍ حقيقيةٍ، وهيكله يتصدع فعلاً، وجدرانه تسقط واحداً تلو الآخر، وقد لا يتوقف الأمر عند الصورة الحالية التي تبدو اليوم، بعد تهديد عضو الكنيست عن حزبه يمينا نير أورباخ عزمه التصويت مع مشروع قانون حل الكنيست، والذهاب إلى انتخاباتٍ مبكرةٍ، فقد سبقته بالاستقالة وإن كانت قد عادت على استحياءٍ وبشروط، عضو الكنيست عن حزب ميرتس غيداء ريناوي زعبي، لكنها قد تتراجع عن عودتها وتؤيد أي قانون لحجب الثقة عن الحكومة، وتكون سبباً في سقوطها فعلياً، إلى جانب عضوي حزب يمينا عميخاي شيكلي وعيديت سليمان، اللذين أعلنا انسحابهما رسمياً من الائتلاف.

 

في المقلب الآخر من المشهد السياسي الإسرائيلي، يجلس زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الزاوية الأخرى كذئبٍ ماكرٍ وثعلبٍ خبيثٍ، يتربص بالحكومة ورئيسها، وقد جهز نفسه الأسبوع المقبل لتقديم طلب بحجب الثقة عن الحكومة، وآخر بمشروع قانون حل الكنيست والدعوة إلى انتخاباتٍ مبكرة، ولعله ينسق سراً مع صديقته القديمة إيليت شاكيت، التي تتولى وزارة الداخلية في الحكومة، وهي من حزب يمينا، وتصنف أنها شريكة رئيسة لنفتالي، إلا أنه ليس من المستبعد تخليها عنه واتفاقها مع نتنياهو، خاصةً أنها تدعو إلى تشكيل حكومة واسعة.

 

يبدو أن المفاجئات ستكون كبيرة، ولن تقتصر على انسحاب ثلاثة أعضاء وتخلي إيليت شاكيت، بل قد تكون اللطمة الأكبر والصفعة الأوجع، هي من قبل قائمة منصور عباس، الذي قد يعلن تأييده لنتنياهو، بعد أن شاعت أخبار عن عزمه الاتفاق معه في حال تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو أمر غير مستبعد عليه، خاصة أنه كان قد بدأ مع نتنياهو مفاوضات تشكيل الائتلاف في الانتخابات السابقة.

 

لم يعد أمام نفتالي بينت أمام حقيقة تخلي بعض أعضاء حزبه عنه، وتفكك ائتلافه، واحتمال أن تؤول رئاسة حكومة تصريف الأعمال في حال تمرير قانون حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة إلى يائير لابيد، سوى أن يتجه نحو إشعال فتيل الحرب، والدخول في مواجهة عسكرية مع أيٍ من الجبهات الست، مجتمعةً أو متفرقةً، التي أعلن رئيس أركان جيش العدو أفيف كوخافي، رغم حرصه أن تتم زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى "تل أبيب" في ظل أجواء هادئة، يكون فيها هو رئيساً للحكومة، ومطمئناً إلى استقرار أوضاعها وثبات زعامته، إلا أن تسارع الأحداث واحتمال وقوع دومينو الانسحابات، يجعله يفكر باتجاهٍ واحدٍ، وهو الحرب، للخروج من الأزمة، والمقامرة على المتغيرات، والرهان على المفاجئات، ومحاولة كسب جمهور المتدينين والمستوطنين إلى جانبه.

 

رغم أن جيش العدو الإسرائيلي وقيادته السياسية، يدركون أن الحرب القادمة مغامرةٌ كبيرة، وأن نتائجها ستكون كارثية، وتداعيتها خطيرة، وآثارها بعيدة المدى، إلا أنه لم يعد أمام بينت أي خيارٍ آخر، إلا أن تعود اللُحمة إلى ائتلافه، ويتفق أعضاؤه، وهو الأمر الذي بات مستحيلاً أو مستبعداً، لهذا فهو لن يخسر شيئاً إن أقدم على الحرب، إذ لا يملك ما يخسره، ولكنه يعتقد أنه قد يكسب ويربح، ويعيد بالدم فرض نفسه وتثبيت أركان حكمه، فلا نستبعد أبداً هذا الاحتمال وإن بدا ضعيفاً، ولا نشطبه من حساباتنا وإن ظن البعض أن بينت أضعف من أن يقدم عليها، وأجبن بكثير من أن يخوض غمارها.