التفاف بلا تأثير على الأسعار.. دلالات ربط الجنيه بسلة عملات غير الدولار

- ‎فيتقارير

تصريحات حسن عبدالله، محافظ البنك المركزي، الأحد 22 أكتوبر 2022م، حول إطلاق مؤشر جديد لقياس أداء الجنيه المصري أمام سلة من العملات الدولية، للابتعاد عن قياس قوة الجنيه أمام الدولار فقط، تثير كثيرا من التساؤلات حول جدوى هذا الإجراء، ومدى تأثيره على أسعار السلع، لا سيما الغذائية منها.

يبرر محافظ البنك المركزي هذا الإجراء المرتقب ـ خلال الجلسة التي ترأسها ضمن المؤتمر الاقتصادي ـ الذي انطلق بفندق الماسة التابع للجيش بالعاصمة الإدارية من الأحد 23 حتى الثلاثاء 25 أكتوبر 2022م، تحت عنوان «المؤتمر الاقتصادي.. مصر 2022)، بأن الولايات المتحدة ليست شريك مصر التجاري الرئيسي، لذلك فليس من المفهوم «التركيز» على قيمة الجنيه أمام الدولار فقط، مشيرًا إلى أن «المركزي» يرغب في تغيير تلك الثقافة وقياس أداء العملة المحلية مقابل العديد من العملات الأجنبية.

الإعلان عن الآلية الجديدة يأتي بعد سبعة أشهر من انخفاض مستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار، بنسبة تزيد على 25%، بينما ارتفع مؤخرًا أمام عملات أخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني والليرة التركية. «لكن الناس لا يرون كل ذلك» بحسب عبد الله. وجاء انخفاض الجنيه المصري أمام الدولار نتيجة لاشتراطات صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض معه مصر، منذ بداية العام تقريبًا، للحصول على قرض لم يُعلن بعد عن قيمته، إذ طالب الصندوق مصر بانتهاج سعر صرف أكثر مرونة.

ويبدو أن الهدف من هذا القرار دعائي أكثر منه حقيقي؛ بمعنى أن هذا الربط سيتيح للبنك المركزي والنظام الادعاء بأن الجنيه إذا كان قد انخفض أمام الدولار كما هو معتاد فإن الحكومة ساعتها ستقول بأن الجنيه انخفض أمام الدولار لكنه ا رتفع أمام عملات أجنبية أخرى كالجنيه الإسترليني واليورو مثلا؛ لأن الحديث المستمر عن انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار يشيع أجواء سلبية للغاية ويفقد الثقة في الجنيه على الدوام. لكن ما تأثير هذا القرار على الأسعار وخاصة السلع الغذائية؟

يكاد يكون تأثير هذا القرار على أسعار السلع بكل انواعها محدودا للغاية؛ ذلك أن الدولار يهيمن فعليا على سوق التجارة العالمية؛ فمصر تستورد نحو 65% من غذائها من الخارج؛ وهذه الدول المصدرة للغذاء تفضل التعامل بالدولار ؛ حتى إن روسيا مثلا والتي تستورد منها مصر كميات هائلة من الحبوب والأعلاف والسلع الغذائية تتعامل بالدولار وليس بالروبل الروسي؛ لأن الدولار سيوفر لها القدرة لاستيراد ما تحتاج إليه من سلع من الأسواق الأخرى.

نفس الأمر ينطبق على الصين، وباقي دول العالم. وبالتالي فإن السلع التي تستوردها مصر سواء كانت أغذية أو معدات أو وقود يتم تقييمها بالدولار وشراؤها بالدولار؛ لكل هذه الأسباب يكتسب الدولار أهمية كبرى في سوق التجارة العالمي، وتزداد أهميته في الدول الهشة التي تستورد كثيرا من غذائها وسلعها من الخارج مثل مصر.

نحن نشتري الحبوب والزيوت والدواء والمعدات والأجهزة بالدولار؛ وبالتالي فالمهم جدا هو قيمة الجنيه أمام الدولار؛ فانخفاض الجنيه يعني زيادة في أسعار كل شيء حتى لو ارتفعت قيمة الجنيه أمام باقي العملات الأخرى بمستويات كبيرة، وإذا ارتفعت قيمة الجنيه أمام الدولار فإن ذلك يعني انخفاض الأسعار تلقائيا؛ فلو كان مستورد يشتري مليون زجاجة زيت بواحد دولار لكل زجاجة؛ فإن سعر الواحدة من هذه السلعة يساوي عشرين جنيها بسعر الدولار اليوم؛ ما يعني أنها قد تصل إلى المستهلك بنحو ثلاثين جنيها. فإذا انخفض الدولار وأصبح بعشرة جنيهات فقط فإن سعر زجاجة الزيت هو عشرة جنيهات فقط لكل واحدة، ما يعني أن قد تصل إلى المستهلك بنحو عشرين جنيها فقط.

وهكذا فإن قوة الجنيه أمام الدولار تؤدي إلى خفض الأسعار وضعف الجنيه أمام الدولار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل تلقائي؛ ما يعني أن سياسات الدولة يجب أن تتجه إلى تقوية الجنيه أمام الدولار بآليات اقتصادية صحيحة وعلى رأسها العمل على زيادة الإنتاج من الزراعة والصناعة ومضاعفة التصدير لزيادة الدخل القومي بما يقوى الجنيه أمام الدولار وغيره من العملات الأخرى.

لكل هذه الأسباب، فإن قرار ربط الجنيه بسلة عملات أخرى إلى جانب الدولار هو قرار دعائي أكثر منه حقيقي؛ حتى يتسنى للسيسي والحكومة والبنك المركزي والإعلام أن يتحدث عن قوة الجنيه أمام الجنيه الاسترليني أو اليورو أو الين الياباني أو الليرة التركية وغيرها من العملات؛ حتى لو كان يواصل الانخفاض أمام العملة الأهم المؤثرة في سعر جميع السلع الغذائية وغير الغذائية وهي الدولار.

يقول الباحث الاقتصادي محمد رمضان إن مصر درست ربط الجنيه بسلة العملات مُسبقًا في الثمانينيات، ثم في بداية الألفينيات، خاصة مع أزمات الديون الخارجية. لكن المشكلة وقتها هي نفسها التي سيواجهها «المركزي» هذه المرة، بحسب رمضان، الذي أوضح أن نظام سعر الصرف الثابت المعتمد على ربط العملة الوطنية بسلة عملات شديد الصعوبة في التطبيق، ويتطلب هيكل اقتصادي يختلف عن الهيكل الاقتصادي الحالي الذي يعاني من مشكلة ضخمة في الصادرات، ففي حالة إقرار الربط، سيحتاج النظام الاقتصادي المصري لتدخل مستمر من «المركزي» من خلال شراء وبيع الجنيه في السوق، كما يتطلب قدر من التشديد النقدي في طباعة الأموال للسيطرة على جزء من التضخم،

وأخيرًا تدخلات شديدة الدقة للحفاظ على العملة بقيمة عادلة توازن بين تشجيع التبادل التجاري، وبين المحافظة على استقرار القطاعات المحلية. وأكد رمضان أن ربط العملات المحلية بالدولار هو واقع حتمي، لكونه العملة المهيمنة في التجارة الدولية، حتى بالنسبة للدول غير المُصدرة للبترول، أو تلك التي ليست الولايات المتحدة شريكها التجاري الأهم.