لا كرامة لحي أو ميت بزمن العسكر.. إزالة مقبرة يحيى حقي و5 آلاف آخرين من جوار “السيدة نفيسة”

- ‎فيتقارير

في أبلغ رسالة تؤكد احتقار السيسي ورفاقه في سلطة الانقلاب للمبدعين في كل مجال سواء من الأحياء أم الأموات؛ جاء وضع العلامة الحمراء المشئومة على مقبرة الكاتب الراحل يحيى حقي، الكائنة بالسيدة نفيسة، والتي دفن فيها وفق وصيته.

فقد قالت نهى حقي ابنة الأديب والروائي الراحل يحيى حقي، "تم إبلاغ الأسرة بضرورة نقل رفات والدها من مقبرته قبل إزالتها".

وفي مداخلة ببرنامج “كلمة أخيرة” أوضحت نهى حقي قائلة: "موضوع مؤرق، إذ صدر أمر بإزالة المقبرة خلال أيام، وذلك نتيجة رؤية جديدة لتغيير المكان، إذ سيقام حديقة أو ميدان في موقع المقبرة، الذي يقع خلف مقام السيدة نفيسة، التي أوصى الراحل بأن يدفن في رحاب مقامها".

وتابعت "يحيى حقي عاشق ومحب وعاشق آل البيت، وأوصى بأن يدفن في هذه المنطقة، فهو من كتب "أم العواجز" و"قنديل أم هاشم".

وتساءلت نهى حقي قائلة “كيف تكون ذكرى رحيله 8 ديسمبر ، ويتزامن معها مطلع ديسمبر قرار نقل رفاته إلى مدينة العاشر من رمضان؟ مؤكدة أن نقل الرفات لمقبرة العاشر من رمضان أمر صعب جدا على الأسرة وعلى الراحل”.

وأردفت ، مكان بعيد عن رؤيته وفكره وطلبه بأن يدفن بجوار السيدة نفيسة، كل أسرة حقي دفنوا فيها، مش عارفة أقول إيه؟

وأكدت ابنة الروائي الشهير أنها ليست ضد التطوير، لكن في ذات الوقت يجب النظر في الموقف.

وأكملت، هل هناك حل؟ أكيد يوجد حل، بالإمكان وضع أزهار أو شيء يغطي المقبرة بدلا من نقلها.

 

تخريب القاهرة التاريخية

وقررت محافظة القاهرة إزالة أكثر من 2600 مقبرة في منطقة السيدة نفيسة التاريخية بقلب القاهرة، منها مقبرة الكاتب والأديب الراحل يحيى حقي، وإخطار أصحابها بنقل رفات الموتى إلى مقابر بديلة في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، بدعوى تعارضها مع مسار جسر مروري جديد يربط بين محور الحضارات وطريق صلاح سالم، يشرف الجيش على تنفيذه.

وبصورة مفاجئة، أبلغت المحافظة أصحاب المقابر الواقعة خلف مسجد السيدة نفيسة بوقف تصاريح الدفن فيها، والإسراع في نقل رفات أسرهم بعد وضع علامة (إكس) على المقابر تمهيدا لإزالتها، عقب ثلاثة أشهر تقريبا من إزالة نحو 2700 مدفن بالقرب من ميدان السيدة عائشة، بالإضافة إلى بعض مقابر "ترب المماليك" الشهيرة، ضمن أعمال توسعة طريق صلاح سالم.

وقبل أيام أقدمت قوات السيسي على إزالة العديد من مقابر المماليك ومقابر أمراء وملوك الدولة الأيوبية ومقبرة محمود سامي البارودي، ووضعت نفس العلامة التعيسة على مقبرة الأديب طه حسين، ولم تتراجع عن إزالتها إلا بعد أن لجأت أسرته إلى السفارة الفرنسية والطلب من فرنسا تحديد ميدان عام بفرنسا لنقل رفات طه حسين للدفن فيه، بعيدا عن دولة العسكر التي لا تفهم ثقافة ولا دين ولا تاريخ أو حضارة.

ومؤخرا أزالت سلطات الانقلاب مقابر جبانة المماليك لتنفيذ ما يسميه الانقلاب محور الفردوس، وهو ما اعتبره مراقبون جريمة بحق المصريين  وتاريخهم ومعالمهم الأثرية والحضارية.

وتعد جبانة المماليك من أكثر الأماكن التي تحتوي على مقابر تاريخية وآثار إسلامية تعود لنحو ٥ قرون، وكانت صحراء المماليك تسمى قديما "القرافة" نسبة لقبيلة يمنية تدعى بنو قُرافة في زمن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وتُعبر عن حقبة زمنية تمتد لأكثر من ألف عام من العصر الفاطمي حتى أسرة محمد علي.

وقال الخبراء إن "صحراء المماليك ظلت الجبانة الرئيسية للقاهرة سنوات طويلة وكانت في بادئ الأمر يستخدمها المماليك كمضمار لسباق الخيل، وبعد ذلك قرروا بناء مدافنهم ومقابرهم هناك، فسميت على اسمهم "صحراء المماليك".

وتأتي مجازر السيسي ضد المقابر التاريخية، التي تستلزم التطوير والصيانة ، على الرغم من اختيار القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية ، إلا أن البلدوزر  العسكري يزيل جزءا من هذا التاريخ على الأرض دون سابق إنذار أو تقدير لتراث أو حرمة لأموات أو أحياء.

كما أزيلت مقبرة محمود سامي البارودي، صاحب السيف والقلم، دون أي اعتبار للتاريخ أو الثقافة المصرية، والغريب، أن تبرر وزارة الآثار  ووزارة الثقافة ما يقوم به السيسي بتبريرات وقحة، من عينة أن تلك الآثار والمقابر غير مسجلة لدى أرشيف الآثار، وهو ما يعتبره الخبراء عذرا أقبح من ذنب.

معتبرين أن عدم تسجيلها في تعداد الآثار هو تقاعس وتقصير من وزارة آثار الانقلاب عن أداء مهامها التي أوكلها إليها القانون، وإن كان المبرر هو ضعف الإمكانية المادية فهذا غير صحيح لأن مصر لديها القدرة المادية على ذلك.

 

قضية أبراج نصير

والغريب أن يزيل السيسي الآثار والمعالم التاريخية والثقافية من مصر، تحت مزاعم بناء طرق ومحاور مرورية او إنشاء حدائق عامة، وهو عذر قبيح، في ظل الأزمات الاقتصادية الطامة التي تضرب مصر حاليا.

ويرى خبراء ضرورة تقدم نشطاء وأسر المضارين من إزالات السيسي شكاوى إلى اليونسكو والمنظمات الدولية، مستشهدين بما وقع في عهد مبارك مع مشروع أبراج نصير المقابل لقلعة صلاح الدين.

فعندما سمحت حكومات المخلوع لأحد رجال الأعمال ببناء أبراج له بارتفاع ١٢٠ مترا أي ما يعادل ارتفاع ٤٠ طابقا أمام قلعة محمد على، بحجة إنشاء بورصة جديدة، فتصدى لذلك  العديد من المثقفين والأثريين والمثقفين، أمثال الكاتب جمال الغيطاني والكاتبة سكينة فؤاد ، وكتبوا إلى اليونسكو ولكن بدلا من وقوف وزارة الآثار بجانبهم قامت بتغيير حدود القاهرة التاريخية لتُخرج هذا المشروع من نطاق حدود القاهرة التاريخية.

وقال الدكتور رأفت النبراوي، أستاذ الآثار الإسلامية وعميد كلية الآثار الأسبق جامعة القاهرة، إن ما يحدث من إزالة لهدم المعالم الأثرية سواء كانت إسلامية أو غيرها من الآثار الكثيرة القائمة في مصر، هو بمثابة جريمة في حق التراث المصري والأجيال القادمة.

وأوضح النبراوي، في تصريحات صحفية أنه في الوقت التي تقوم فيه حكومة الانقلاب بمحو الكنوز الأثرية التي نمتلكها تقوم على الجانب الآخر دول العالم بالاحتفاء برجالها وباكتشافاتها الحديثة وتجعل منها مزارت سياحية لجذب السياح من كل حدب وصوب.

مشيرا إلى أن دولة العسكر تتبع القانون ١١٧ لسنة ١٩٨٣ الذي ينص على أن لحكومة الانقلاب الأحقية في هدم أي بناء غير مسجل على أنه أثر، محذرا من هذه الكارثة، مؤكدا أن العديد من المباني تتنشر في أنحاء الجمهورية ولم تسجل على أنها آثار ولكنها بالفعل تاريخية وأثرية.

وشدد النبراوي على ضرورة الكشف على المباني التاريخية بشكل دوري ومستمر من قبل وزارة آثار الانقلاب وتسجيل هذه المباني بأوراق رسمية تفيد صحة تاريخها، والمحافظة عليها وترميمها وصيانتها والإعلان عنها والترويج لها، مؤكدا أن هناك العديد من القصور والمساجد التي نُهِبت وحرقت بسبب الإهمال مثل قصر المسافر خانة الذي بني عام ١٧٧٩.

وتعبر سياسات البلدوزر العسكري عن جهل منقطع النظير لدى عساكر السيسي، الذين يزيلون الآثار الإسلامية والمعالم التاريخية من القاهرة، لأجل شق طرق وكباري وإقامة حدائق تخدم على مشروع أبراج  مجرى العيون التي أقامها السيسي وخصصها للبيع بالدولار، مع أنه نقل سكانها من مناطق مصر القديمة وسور مجرى العيون وأبو السعود مقابل تعويضات بسيطة ، واعدا إياهم بالعودة كاذبا.