كيف أهان صندوق النقد مصر بخفض الدفعة الأولى للقرض إلى 347 مليون دولار؟

- ‎فيتقارير
An exterior view of the building of the International Monetary Fund (IMF), with the IMG logo, is seen on March 27, 2020 in Washington, DC. - The coronavirus pandemic has driven the global economy into a downturn that will require massive funding to help developing nations, IMF chief Kristalina Georgieva said on March 27, 2020. (Photo by Olivier DOULIERY / AFP) (Photo by OLIVIER DOULIERY/AFP via Getty Images)

منذ أن بدأت مصر جولة مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على قرض جديد، أغلق الصندوق أبوابه أمام تسول مصر ، الذي بدأ ممجوجا، إذ إن الدولة مدينة للصندوق بـ20 مليار دولار، وهو الحد الأقصى لمعدل الإقراض لمصر  والذي يتناسب مع قوة الاقتصاد المنهارة بالأساس في مصر.

ولكن خرج إعلام النظام الذي لا يجيد إلا  التطبيل ليقول للمصريين إن "مصر ستحصل على قرض بنحو 20 مليار دولار، كما خرج وزير مالية السيسي نفسه محمد معيط ووزيرة التخطيط  ليؤكدا أن القرض سيتراوح ما بين 12 إلى 20 مليار دولار، وأن مصر بحاجة لأكثر من هذا المبلع".

وبعد شهور من المفاوضات المذلة وإجراءات التعسفية التي تجبر بها السيسي على الشعب المصري، جرت الموافقة في أكتوبر الماضي على 3 مليار دولار فقط، ومع نزف مزيد من البكاء والتوسلات تمت الموافقة على تيسيرات بنحو مليار دولار من صندوق التنمية والاستدامة التابع لصندوق النقد  لإنقاذ مصر من الانهيار.

 

موافقة مع صفعة

ومع حلول موعد البت النهائي في القرض، قرر الصندوق توجيه صفعة مذلة للسيسي ونظامه، موبخا إياه في بيان المنح ، ومهينا للقائمين على شان الاقتصاد المصري ، والذين دأبوا على تبرير الأزمة الاقتصادية بمصر بأنها ناتجة عن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، بل كد الصندوق أن كل اقتصادات العالم تجاوزت  ارتدادات أزمات كورونا وأزمة الحرب الروسية الأوكرنية بنجاح.

وقرر المجلس التنفيذي للصندوق  تقليص الدفعة الأولى للقرض لمبلغ  لا يمكن اعتباره إلا لقمة لمتسول ، لا تحل أزمة ولا يسد حاجة.

الدفعة الأولى جاءت أقل بكثير مما توقعته حكومة الانقلاب، ما أثار تساؤلات حول قدرة القرض على مساعدة إخراج الاقتصاد المصري من أزمته، ومستقبل الجنيه في ظل هذا القرض.

وتضمن الاتفاق صرف دفعة فورية بقيمة 347 مليون دولار، في إطار تسهيل الصندوق الممتد الذي تصل مدته إلى 46 شهرا.

وكان وزير مالية الانقلاب محمد معيط، توقع أن يكون حجم الدفعة الأولى نحو 750 مليون دولار.

اللافت أن مصر سددت يوم الخميس الماضي أكثر من 318 مليون دولار لصندوق النقد الدولي، قيمة أحد أقساط قرض حصلت عليه في 2016، وذلك بينما تنتظر وصول أولى دفعات القرض الجديد. 

اللافت أن القرض غير كاف لسد الفجوة الدولارية في مصر، المقدرة بنحو 16 مليار دولار على مدى 4 سنوات في مصر، وفق تقديرات من صندوق النقد الدولي.

واشترط صندوق النقد أن تستوجب باقي الدفعات حزمة سياسات شاملة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، تتضمن تحولا دائما إلى نظام سعر صرف مرن، وسياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجيا، وضبط أوضاع المالية العامة لضمان مسار الدين العام التنازلي، مع تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الضعفاء، وإصلاحات هيكلية واسعة النطاق للحد من تأثير الدولة، وتعزيز الحوكمة والشفافية" وفق بيان صحفي صادر عن صندوق النقد، السبت الماضي.

ورغم التحركات المكثفة لحكومة السيسي بالتعاون مع البنك المركزي لضبط سوق الصرف، والوصول إلى سعر عادل لصرف الدولار في السوق.

وكشف تقرير حديث عن أن مصر هي الدولة الأكثر عرضة لأزمة عملة بين الأسواق الناشئة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وتصدرت مصر القائمة بين 32 سوقا ناشئة مدرجة على مؤشر "داموكليس" التابع لبنك "نومورا" الياباني، ما يلفت إلى وجود فرصة قوية بأن تتعرض البلاد لأزمة في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة.

وإلى جانب أزمات هروب الاستثمارات من مصر والتي وصلت في عام واحد نحو 22 مليار دولار، تسببت أزمة ارتفاع أرقام القروض والديون على مصر التي استدانتها بالعملات الأجنبية، وتم إنفاقها في مشروعات البنية الأساسية الداخلية، وكذلك سد عجز الميزان التجاري، وبالتالي لم تنفق في مشروعات تدر أرباحا بالدولار، واعتماد القاهرة على افتراض أن سيل الأموال الساخنة لن يتوقف، وبالتالي فإنه يمكنها عبر مزيد من القروض سداد القروض القديمة.

ومع تقلص حجم القرض الذي أقره صندوق النقد الدولي، تتفاقم أزمة الاقتصاد المصري، خاصة مع تصاعد الدين العام الذي ارتفع من  34.9 مليار دولار عام 2011، وارتفع إلى نحو 43.2 في عام 2013، وبلغ نحو 48.1 مليار دولار في عام 2015، وارتفع الدين بوتيرة كبيرة تقريبا في 2016، مسجلا 56 مليار دولار، وارتفع إلى 79 مليارا في 2017، و92.6 مليار دولار في عام 2018 وتجاوز الـ100 عام 2019 عند 108.7 مليار دولار، ثم 123.5 و137.9 و155.7 مليار دولار في الأعوام 2020 و2021 و2022 على الترتيب،  وذلك بزيادة أكثر من 120 مليار دولار خلال 12 عاما فقط.

 

الاقتراض مخرجهم الوحيد

ومع تصاعد الديون واستمرار نظام السيسي في الاقتراض كسبيل وحيد لتغطية النفقات غير المنضبطة للنظام، تفاقمت مخاطر التخلف عن السداد ، ووفقا لتقديرات اقتصادية ،  في أغسطس الماضي، نقلت اندبندنت عربية عن مقربين من النظام أن مصر بحاجة إلى نحو 41 مليار دولار لتغطية مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية عام 2023.

وكان البعض يراهن على أن قرض صندوق النقد الدولي لمصر سوف يحل الأزمة.

ولكن القرض أقل بشكل كبير من القرض الذي تم خلال عملية التعويم الأولى في عهد السيسي عام 2016، والذي تضمن قرضا قيمته 12 مليار دولار على 3 شرائح من صندوق النقد وحده، إلى جانب مليارات من القروض من شركاء مصر الدوليين من دول عربية وغربية إضافة للصين.

بينما في الوقت الحالي أصبح الاقتصاد المصري أكبر حجما، كما زادت الديون الخارجية بشكل كبير، ما يجعل هناك حاجة لكتلة نقدية أكبر لحل الفجوة الدولارية لسداد خدمة الدين الخارجي بالأساس.

وقد ترجع ضآلة قرض صندوق النقد الدولي لمصر رغم أن التزاماتها الخارجية باتت أكبر بكثير من عام 2016 إلى أن القاهرة استنزفت أرصدتها لدى صندوق النقد، حيث تعتبر ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين، حيث بلغ حجم ديونها للصندوق نحو 17.9 مليار دولار قبل القرض الأخير، أي بما يعادل 67% من إجمالي قروض الدول العربية للصندوق.

 

التعويم المرن

ويلاحظ أن بيان صندوق النقد الدولي أعلن أن أبرز شروط القرض هو ضرورة الحفاظ على سعر صرف مرن للجنيه، بما يعني ذلك عدم تثبيت الجنيه بقرارات إدارية، بل تركه لآليات العرض والطلب، وما قد يعني ذلك ضرورة تحرير لسعره.

الأمر الذي يثير مخاوف من صعود كبير للدولار في حالة تحريره وتخفيف قيود الاستيراد، وقد يؤدي ذلك لقفزة أكبر من الحالية في الأسعار.

وفي الوقت ذاته، فإن استمرار تحديد سعر للجنيه بشكل رسمي أقل من سعره في السوق الموازية، يمثل خطورة كبيرة على الاقتصاد، لأن ذلك سوف يؤدي لوقف تحويل الدولارات من العاملين بالخارج لمصر عبر القنوات الرسمية ، أكبر مصدر للعملة الأجنبية بمصر، الأمر الذي يعلق أهم مصدر للدولار ويزيد الأزمة تفاقما.

ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية المتنوعة في مصر ، فإن أهمية القرض الجديد تقل أهميتها، ويصبح مجرد سراب اقتصادي يفاقم أزمات الاقتصاد المصري، ويقلص جدواه الاقتصادية، كما أن الدفعة الأولى تبدو رمزية تماما، بل إنها هزلية تمثل إهانة لمصر.

 

هل يحل القرض الأزمة؟

مراقبون أشاروا إلى أن قرض صندوق النقد الدولي لن يلعب دورا محوريا في حل الفجوة الدولارية بقدر ما هو شهادة ثقة لتشجيع الأموال القادمة من الدول العربية والأسواق الدولية.

وهو أمر كان واضحا تماما في بيان صندوق النقد الدولي، الذي أشار بالاسم لدول مجلس التعاون الخليجي بشكل مثير للانتباه، حيث  قال الصندوق، في بيان صحفي السبت، إن "الموافقة على القرض، ستسمح بتوفير تمويلات إضافية بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار من شركاء دوليين وإقليميين، شاملة موارد تمويلية جديدة من دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء آخرين، من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة، وقنوات التمويل التقليدية من الدائنين الثنائيين ومتعددي الأطراف".

وارتفع نصيب دول الخليج من الاستثمارات الجديدة المتدفقة لمصر خلال العام الجاري.

وكانت الدعوة المصرية لدول الخليج لتحويل ودائعها بمصر إلى استثمارات والتي تم الإعلان عنها أوائل العام الحالي، وسبقتها مشاورات بين الرئاسة المصرية وقيادات الدول الخليجية لنفس الغرض، السبب الرئيسي في استحواذ العرب على نسبة 37% من مجمل الاستثمارات الواصلة لمصر، تليها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين بنسبة 30%، وانجلترا 9% والولايات المتحدة 7% وباقي مناطق العالم أقل من 17%.

ومع تطورات الأزمة المالية، وارتفاع الدولار والعملات الأجنبية أمام الجنيه المصري، فإن الأزمة الاقتصادية تتزايد بلا حلول في الأفق سوى مزيد من البيع والانهيار وتدهور حياة المواطن المصري.