أصدر جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي الخميس 19 يناير الجاري قرارا بترقية بعض كبار الضباط في الجيش إلى رتبة فريق؛ الأمر الذي اعتبره مراقبون سابقة تحدث لأول مرة في تاريخ المؤسسة العسكرية؛ لأن رتبة الفريق كانت مقتصرة على رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية. القادة الذين أصدر السيسي قرارا بترقيتهم هم اللواء أركان حرب أحمد فتحي خليفة رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، واللواء أحمد الشاذلي رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، واللواء أشرف سالم زاهر مدير الأكاديمية العسكرية، إلى رتبة الفريق.

وحسب التقاليد العسكرية فإن رئيس هيئة العمليات يأتي في الترتيب السادس بالقوات المسلحة، بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية (القوات البحرية والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي). أما منصب رئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، فالمعتاد سابقاً داخل القوات المسلحة أنه منصب إداري لا يتطلب حتى الحصول على دورة أركان حرب، لكن في الوقت الحالي يعتبر رئيس الهيئة الحالي اللواء أحمد الشاذلي، ورؤساء الهيئة السابقون في عهد الرئيس السيسي، وزراء مالية الجيش.

بحسب مراقبين فإن الترقيات الأخيرة التي أجراها السيسي قد تمهد لتغييرات كبرى داخل الجيش، قد تطاول مناصب رفيعة، وقد كان رئيس الأركان، الفريق أسامة عسكر، موضع أزمة سابقة داخل الجيش، حيث تمت إطاحته من منصبه ثم إعادته في منصب رئيس هيئة العمليات ثم ترقيته إلى رئاسة الأركان".

تزامنت هذه الترقيات مع  جولة تفقدية للسيسي فجر ذات اليوم (الخميس) بالأكاديمية العسكرية حيث رافقه الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق أسامة عسكر رئيس أركان القوات المسلحة، وعدد من كبار قادة القوات المسلحة. ومجموعات مختارة من طلاب الكلية الحربية.

ويرى الخبير الاقتصادي الأمريكي روبرت سبرنبورج، أن الجيش أصبح خطرا يهدد رئيس سلطة الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، بعدما غدت المؤسسة العسكرية قوية بشكل هائل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وقال، سبرنبورغ، خلال الجزء الثاني من مقابلته  مع الإعلامي المصري أسامة جاويش، عبر برنامجه "آخر كلام" المذاع على فضائية "مكملين"، والذي عرض الأربعاء 25 يناير23م، إن: "الجيش المصري لم يعد خطرا يهدد رخاء البلد فحسب، بل هو خطر محدق بالقيادة الحالية نفسها، فقد غدا قويا بشكل هائل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا". موضحا أن "أذرع الجيش تتواجد الآن في النظام التعليمي وفي النظام الزراعي وفي القطاع الصناعي، وفي قطاع الإنشاءات وكل ما يخطر ببالك.. لا يوجد مجال الآن إلا والجيش هو الفاعل الأبرز فيه". ويضيف: "لذا إذا كنت الرئيس ورأيت تلك المؤسسة الضخمة تزداد قوة على قوتها، لا بد أن تبدأ بسؤال نفسك عما إذا كان سيأتي اليوم الذي تقرر فيه هذه المؤسسة أنها لم تعد بحاجة إليك، وذلك بالضبط هو ما حدث لمبارك، وكان السيسي نفسه أداة لذلك".

ولمزيد من التوضيح يقول إن "السيسي يرى الآن أن من الأفضل له أن يقص قليلا من أجنحة الجيش، وبذلك يثبت لهم أنه هو الزعيم وأنه ليس بإمكانهم أن يفعلوا ما يريدون وعليهم أن يأخذوا ذلك بالحسبان، ثم يعمد إلى حرمان بعض المعارضين المحتملين في صفوف الضباط من امتيازاتهم". 

وحسب "سبرنبورج"، فإن السيسي قام ببناء أنظمة تدريب لتكتلات تقنية دمجها بعد ذلك في ذلك الكيان الموازي للدولة، كما جند رجال أعمال من القطاع الخاص للعمل فيها، فما عمله بالمحصلة هو أنه أنشأ دولة ثانية وهي دولة يتحكم بها شخصياً بشكل مباشر، وأصبحت مشكلته تكمن فيما عساه يفعله مع الدولة الأولى، ولذلك فإن استراتيجية بناء دولة موازية، جعلته يدرك أنه لا مفر بالضرورة من أن تكون لديها استراتيجية لقمع المعارضين لأنه ما من سبيل آخر"؛ ولذلك فالسيسي في علاقته بقواد الدولة المصرية القديمة قبل 2013م، اعتمد على الهجوم (التفكيك)  على القاعدة التي بناها ناصر وحافظ عليها السادات ومبارك، وكانت تلك القاعدة هي قطاع الخدمة المدنية، الذي كان يدير الدولة في كل المجالات بما في ذلك الاقتصاد، ومن الواضح أن السيسي يزدري قطاع الخدمة المدنية. ويمكن أن يفسر هذا قناعة اليسسي بأن القطاع العام متضخم بعدد الموظفين فيه، بينما أداؤه مترد وأنه يتمتع بكثير من الامتيازات ومنعدم الكفاءة، لذلك فما أراد فعله هو إيجاد هيكل إداري جديد من القمة إلى القاعدة يمكنه شخصياً من إحكام قبضته بالكامل على جل الاقتصاد السياسي".

وينتهي الخبير الاقتصادي الأمريكي إلى أن مستقبل مصر في ظل الحالة القائمة، حيث تعاني من "سوء إدارة الاقتصاد" وهو السوء الذي أمسى مؤسساتيا بشكل راسخ، وقيادة الاقتصاد المصري الآن غدت في الأيدي الخطأ، ولا يوجد نقاش جاد حول صياغة السياسة الاقتصادية في مصر"، لافتا إلى أن "رواد الاقتصاد يتم تهميشهم، والأشخاص الذين يديرون الاقتصاد المصري حاليا مجرد خبراء في العملات الأجنبية". وأضاف: "فكرة أنك تدير اقتصاد بلد تعداد سكانه 104 ملايين نسمة، وهو واحد من أكبر الاقتصاديات ذات الدخل المنخفض في العالم، من خلال حفنة من الناس ليسوا ولا في الحد الأدنى اقتصاديين مختصين، ويأتمرون بأمر جيش ورئيس لا توجد لديهم أدنى فكرة عن الموضوع، تفيد بأنك ما لم تحدث لديك تغييرات جوهرية، بأن تفتح النظام وتدير نقاشاً جاداً، حول ما الذي ينبغي أن يكون عليه الاقتصاد المصري، ومن ينبغي أن يكون الفاعلون وما هي السياسة التي ينبغي أن تُصنع.. وإلى أن يحدث ذلك فلن تملك إلا أن تكون متشائماً".

 

Facebook Comments