بعد قرار المحكمة.. المآلات الكارثية بإلزام المهنيين بالتسجيل في الفاتورة الإلكترونية

- ‎فيتقارير

بقرار محكمة القضاء الإداري الصادر السبت 18 مارس 2023م بتعليق نظر الدعوى المقدمة من النقابة العامة لأطباء مصر لوقف التسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية الجديدة، فإن تسجيل الأطباء وغيرهم من المهنيين في منظومة الفاتورة الإلكترونية صار إلزاميًا، قبل انتهاء المهلة المحددة للتسجيل في 30 أبريل المقبل.

وكان عدد من المحامين والأطباء تقدموا بدعاوى منفصلة لوقف التسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية لحين فصل المحكمة الدستورية في دعوى معروضة عليها من وزير المالية في ذات الشأن، لكن محكمة القضاء الإداري رفضت هذه الدعاوى؛ ما يجعل التسجيل في الفاتورة الإلكترونية إلزاميا.

يقول الدكتور إبراهيم الزيات عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، إن التسجيل في المنظومة بات إلزاميا، وإن النقابة تنتظر رد مستشارها القانوني لتحديد الخطوات المقبلة فيما يخص «الفاتورة الإلكترونية». من جانبه، وصف محمود عباس، المستشار القانوني لـ«الأطباء»، في بيان للنقابة، الحكم بأنه يؤيد ما ورد بتقرير هيئة مفوضي الدولة، مؤكدًا أن وقف نظر الدعوى يعني استمرار خضوع الأطباء لمنظومة الفاتورة الإلكترونية والإيصال الإلكتروني.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا في ملف القضية يوصي برفض دعوى «الأطباء» وتأييد قرار وزير المالية، وإلزامهم بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية، بحسب يحيى الهواري محامي النقابة.

وكانت مصلحة الضرائب قد أعلنت في نوفمبر 2023م، عن إلزام المنشآت الفردية، سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية (مثل الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والفنانين، والمحاسبين القانونيين، والاستشاريين) وجميع أصحاب المهن الحرة، بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية في موعد أقصاه 15 ديسمبر الماضي. وهو القرار الذي فجر حالة من الغضب لدى تلك الفئات دفعت المحامين لتنظيم وقفات احتجاجية أمام نقابتهم في وسط القاهرة، تبعها دخول نقابات أخرى على خط رفض المنظومة أهمها الأطباء والصيادلة والمهندسين وأطباء الأسنان.

أمام هذه التحركات النقابية وجرأة المظاهرات والهتافات المدوية  في وسط القاهرة وغيرها من المحافظات وخوف النظام من انتقال عدوى التظاهر من الإطار النقابي إلى الدائرة الشعبية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء الفاحش الذي طال كل شيء؛ وجد النظام نفسه ضعيفا أمام خيارين: الأول، التمسك بإلزام أعضاء النقابات المهنية بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية إعمالا لنص القانون من جهة وحاجة النظام إلى زيادة موارد الدولة من الضرائب من جهة أخرى في ظل تراجع إيرادات الدولة. الثاني، ضرورة إطفاء نيران الاحتجاجات النقابية التي اشتعلت خوفا من انتقالها إلى الشارع واستقطاب ملايين الغاضبين بفعل الفقر والجوع والغلاء. وانتهت تقديرات الموقف داخل أجهزة النظام الأمنية إلى ضرورة تأجيل الصدام مع النقابات بمد فترة التسجيل في الفاتورة الإلكترونية من منتصف ديسمبر 2022 إلى 30 إبريل 2013م. وهو القرار الذي تم الإعلان عنه الخميس 08 ديسمبر 2022م. لكن المحامين تظاهروا في نفس اليوم رافضين للتأجيل معلنين إصرارهم على ضرورة الإلغاء وليس التأجيل. حتى جاء قرار المحكمة الأخير ليجعل من احتمال الصدام وعودة الاحتجاجات النقابية أكثر احتمالا.

 

هجرة الأطباء

من أهم المآلات الكارثية لهذا القرار أنه سوف يدفع المزيد من الأطباء الهجرة للخارج في ظل تسميم الأجواء وتحول مصر إلى بيئة طاردة لكل شيء وغير مستقرة في ظل الغلاء الفاحش والتدهور الاقتصادي. وحسب نقابة الأطباء فإنه طبقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة، فإن القطاع الخاص في مصر شريك في تقديم الخدمات الصحية بنسبة تتجاوز 30 في المائة، واستمرار المحاسبة الضريبية للأطباء بنفس الإجراءات والنظام غير المنصف سيؤدي إلى مزيد من هجرة الأطباء وانحسار القطاع الخاص في ظل عدم قدرة القطاع الحكومي على تقديم الخدمات الصحية منفرداً. وطبقًا لسجلات نقابة الأطباء، فإن عدد الأطباء المسجلين بالنقابة والمرخص لهم بمزوالة المهنة من دون الأطباء على المعاش بلغ، حتى 20 مارس 2022، حوالي 228 ألفاً و862 طبيبًا. ليكون عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي 93 ألفاً و536 طبيب تقريباً، وتكون نسبة الأطباء في القطاع الحكومي إلى عدد الأطباء المرخص لهم بمزاولة المهنة تحت سن المعاش 40,8 في المائة. ويبلغ عدد الأطباء والطبيبات الذين تقدموا إلى نقابة الأطباء خلال عام 2020 بمستندات إنهاء خدمتهم من قطاع الصحة الحكومي في مصر واستخراج شهادة "طبيب حر"، والتي تعني عدم عمل الطبيب بأي جهة حكومية، 4261 طبيباً وطبيبة بمعدل يومي 12 طبيبًا وطبيبة.

 

مزيد من الفقر والغلاء

تعتبر رسوم وتكاليف التسجيل في هذه المنظومة عقبة كبرى في طريق الالتزام بها؛ فهناك رسوم  كثيرة سوف يدفعها كل مهنى سنويا، ومنها رسوم الاشتراك ورسوم التوقيع ورسوم التصديق وسعر الجهاز وغيرها من تكاليف التعاقد مع متخصصين والاحتياج لعاملين متدربين وغيرها، وهذه ليست ضرائب بل هى رسوم سيدفعها حتى لو كان دخله محدودا ولا تفرض عليه ضرائب، وبالطبع سوف يضاف إلى ذلك الضرائب المستحقة نفسها".  وبالتالي فإن كل وحدة ضمن المنظومة سوف تدفع رسوما سنويا تصل إلى 10 آلاف إلى 20 ألف جنيه ، رغم أن نشاطها قد يكون محدودا وغير ملزمة بسداد ضرائب وبالتالي تتحول الرسوم إلى ضريبة ثابتة بحد ذاتها. فكيف لمحامي أو طبيب مبتدئ أن يدفع كل هذه الرسوم؟!

سوف تؤدي هذه المنظومة تلقائيا ـ حسب المهنيين ـ إلى ارتفاع تكاليف كل شيء؛ سوف يحمل المهنيون (أطباء ـ مهندسون ــ محامون ـ سناتر دروس خصوصية ــ محاسبون وغيرهم) المستهلكين كل شيء؛ لتغطية النفقات الإضافية، سترتفع أجور الأطباء والمحامين وغيرهم، وهي الارتفاعات التي تتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء الذي طال كل شيء؛ معنى ذلك أن الحكومة تنظر إلى الأزمة من جانب واحد فقط هو تعظيم الإيرادات الضريبية وتتجاهل في المقابل الجوانب الأخرى التي قد تكون لها تداعيات خطيرة على المجتمع وقد تفضي إلى مشاكل لا حصر لها.  ومن هذه المشاكل أيضا أن هذه المنظومة قد تخلق نزاعات مستمرة بين فئات المواطنين؛ فالطبيب أو المحامى سيطلب من كل شخص أو عامل أو فنى  يتعامل معه أن يقدم له فاتورة إلكترونية حتى يستطيع خصم قيمتها ضمن المصروفات، وبالطبع فمعظم هؤلاء سيرفضون لأنه ليس لهم ملفات ضريبية مما سيتسبب فى نزاعات جديدة قد تصل لساحات القضاء المثقلة بالقضايا بالفعل. وهو ما يؤدي حتما إلى تعطل النشاط الاقتصادي ومزيد من الركود والتضخم والبطالة.

وقفزت حصيلة الضرائب بنسبة 465% خلال 8 سنوات بعد انقلاب يوليو 2013م، بينما تقلص الدعم الموجه للمواطنين بنسبة 6%، وانخفضت قيم الإنفاق الحقيقية على الصحة والتعليم، وفق البيانات الرسمية. وتمثل الضرائب 77% من إيرادات الدولة في الموازنة العامة. وتستهدف الحكومة إنفاق 3 تريليونات و66 مليار جنيه، وفقا للموازنة، بينما الإيرادات لا تتخطى 1.51 تريليون جنيه، لتساهم الضرائب المباشرة بنحو تريليون و65 مليار جنيه، والعقارية والجمارك بنحو 133 مليار جنيه، بالإضافة إلى الإتاوات السيادية، التي تحصلها المالية من فائض قناة السويس والمحاجر وقطاع البترول والهيئات العامة والقطاع العام والخدمات الحكومية، بمبلغ 348 مليار جنيه.