تضخم وركود وغلاء ودولرة.. حصاد رفع الفائدة البنكية 2% فهل يتحمل المصريون؟

- ‎فيتقارير

تداعيات عديدة وكوارث تضرب المصريين بمقتل، بعد قرار رفع البنك المركزي  أسعار الفائدة من جديد أمس الخميس، مائتي نقطة أساس (2%) في محاولة لكبح جماح التضخم الذي تجاوز تقديرات المحللين بعد خفض قيمة الجنيه أكثر من مرة، وتضاعف سعر الدولار خلال العام الأخير.

وقالت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي، في بيان إنها "قررت رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، ليصلوا إلى 18.25% و19.25% و18.75% على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 18.75%".

وبعد قراره الشهر الماضي بالتوقف عن رفع أسعار الفائدة، رغم مواصلة مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي رفعه للفائدة على الدولار، قال البنك إن "الزيادات الحادة في أسعار الفائدة التي فرضها على مدى العام السابق من شأنها أن تساعد في ترويض التضخم، الذي بلغ في ديسمبر 21.3% في أعلى مستوى منذ خمس سنوات".

وبعد اجتماع فبراير، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم قفز إلى 25.8% على أساس سنوي في يناير و31.9% في فبراير، وهو أعلى مستوى له في خمس سنوات ونصف، وسجل التضخم الأساسي في فبراير زيادة قياسية بلغت 40.26%، وكانت التوقعات قبل اجتماع الخميس تدور في أغلبها حول رفع 150 – 300 نقطة أساس.

 

أعلى معدل

وفي ديسمبر الماضي، رفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي سعر الفائدة على الودائع 300 نقطة أساس لتصل إلى 16.25% في ديسمبر، وهو أعلى معدل منذ 2016، وأبقت على تكلفة الاقتراض عند نفس مستوياتها منذ ذلك الحين، مشيرة إلى أنها تُقيِّم تأثير موجة زيادات الفائدة التي أقرتها العام الماضي.

وقبلها، ومنذ شهر مارس 2022، رفع المركزي المصري 500 نقطة أساس أخرى، في محاولة كان هدفها المعلن هو السيطرة على التضخم، بينما رجح محللون أن يكون الرفع بهدف وقف عمليات الدولرة التي تسببت في قفزات كبيرة في سعر الدولار مقابل الجنية ، خلال العام الأخير، وبذلك يكون إجمالي الرفع خلال العام الماضي 800 نقطة أساس.

ومع القفزات المتتالية وصل سعر الدولار إلى أكثر من 32 جنيها إلى 37 جنيها بالأسواق المصرية، وهو ما سيعود بارتدادات كارثية على مصر التي تعتمد في احتياجاتها على أكثر من 90% من احتياجاتها من الاستيراد من الخارج.

ومنذ مارس 2022 ارتفع سعر الدولار الرسمي مقابل الجنيه من 15.75 إلى 30.95، بنسبة ارتفاع 97%.

وتضرب أسعار الفائدة الجديدة  القطاعات الصناعية والإنتاجية إلى مزيد من الركود وترفع الدين العام إلى ما يقرب من 6 تريليونات جنيه.

وتأتي الزيادة في الفوائد مخالفة لالتزام الحكومة بخفض معدلات التضخم، وفقا لتعهد مسبق مع صندوق النقد الدولي، بأن يكون الحد الأقصى للتضخم الأساسي بالبنك المركزي لا يزيد عن 16% خلال الشهر الحالي، بدلا من 40.3% التي بلغها في فبراير الماضي.

 

ضبابية حكومية

ويعكس القرار الحالة الضبابية التي تسيطر على أسواق المال وعدم اليقين في قدرة الحكومة على التصدي للأزمة الاقتصادية في ظل شح الدولار، والتراجع المستمر في قيمة الجنيه.

ويعتبر قرار لجنة السياسات النقدية من أخطر القرارات التي تواجه البنك المركزي منذ إنشائها، لتأثيرها الشديد على قيمة الجنيه المتدهورة، وسحب السيولة من الأسواق، بإغراءات زيادة الفائدة، في وقت تحتاج الأنشطة الاقتصادية إلى التمويل ومحفزات تخرجها من حالة الركود التي تسود القطاع الصناعي غير النفطي منذ 28 شهرا متصلة.

واستبق البنك المركزي اجتماعه الخميس بطرح أذون خزانة بقيمة 39.5 مليار جنيه، طلبت البنوك فائدة 20.5%، بزيادة 3% عن النسب المقررة من البنك المركزي منذ نهاية العام الماضي.

فيما يمثل قرار المركزي تعويضا لعملاء البنوك عن تناقص مدخراتهم، مع وجود هوة واسعة بين معدلات الفائدة السائدة ومعدلات التضخم الأساسي، بالإضافة إلى تشجيعهم على شراء أذون وسندات الخزانة والاستثمار في أدوات الدخل الثابت، فيما تزداد الفجوة التمويلية الناجمة عن تراجع قيمة الصادرات عن الواردات بنحو  18 مليار دولار العام الحالي فقط.

 

تجميد الاستثمارات المباشرة

ومع قرار رفع الفائدة تثور مخاوف من دفع المستثمرين إلى الإحجام عن توجيه أموالهم إلى مشروعات إنتاجية، وتفضيلهم توظيفها في ودائع تضمن لهم عائدا ثابتا، دون تحمل أية أعباء ضريبية أو مخاطر التشغيل، مع الصعود المستمر في تكاليف الإنتاج، وتراجع القوة الشرائية للمواطنين.

ويفضل المستثمرون عدم الاقتراض من البنوك بفوائد عالية لتمويل عمليات التشغيل، بينما تتآكل أرباحهم مع التراجع المستمر في قيمة الجنيه، وعدم قدرة القطاعات الصناعية والإنتاجية، مواكبة الصعود المستمر بمعدلات التضخم الذي ارتفع إلى معدلات غير مسبوقة، وتدفع أسعار الفائدة المرتفعة الأسواق إلى تضخم حلزوني، يدفعها إلى الضغط على الموازنة العامة وزيادة الدين وأعبائه.

 

ركود الأسواق

ويرى خبراء أن الفائدة المتصاعدة ستدفع  الأسواق إلى الركود، وسترفع حاجة الدولة إلى المزيد من الأموال، بعد أن بلغت فوائد خدمة الدين السنوي نحو 600 مليار جنيه، وارتفع الدين المحلي إلى نحو 6 تريليونات جنيه.

وهكذا يفاقم قرار رفع الفائدة الأزمات المعيشية للمواطنين، ويدفع مزيد من ملايين المصريين لدائرة الفقر والجوع والعوز.