\
في شبه الدولة التي باتت تبحث عن اللقطة والمنظر على حساب الجوهر، جاء الإعلان عن توقيع اتفاق بين وزارتي الدفاع والتعليم ، من أجل إشراف قوات الدفاع الشعبي على 100 مدرسة فنية، جديدة على مستوى الجمهورية، وتطبيق البرامج العسكرية على الطلاب، بدعوى غرس روح الولاء والانتماء.
وتناسى المسئولون أن ما يخلق وينمي روح الولاء والانتماء هو أن يجد المواطن والطالب احتياجاته الأساسية متوفرة وفي متناول يده، وأن مستقبله مضمون ، وتعليمه جيد يحقق طموحاته وينمي قدراته العلمية والتدريبية، وأن يجد مكانا مناسبا في الفصول الدراسية التي باتت مزدحمة بأكثر من أضعاف قدراتها الاستيعابية.
وعلى طريقة السيسي وتوجيهاته المباشرة، التي دمرت مصر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وخلفت أوجاعا وأزمات تحتاج لمئات السنين كي تعالج.
وقعت قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري في الجيش، بروتوكولا للتعاون مع وزارة التربية والتعليم، بهدف تطبيق نظام التأسيس العسكري لعدد 100 مدرسة من مدارس التعليم الفني، بداية من العام الدراسي الجديد (2023-2024)، بدعوى حرص القوات المسلحة على تبادل الخبرات العلمية والعملية، وتنمية روح الولاء والانتماء للتلاميذ من مختلف المراحل الدراسية.
وبحسب بيان للجيش، فإن البروتوكول يستهدف تطوير المنظومة التعليمية، من خلال برامج علمية وتدريبية متطورة، فضلا عن تسخير كافة الإمكانيات لتحقيق أقصى استفادة علمية لكلا الجانبين.
تجربة عملية
وحول هذا الاتفاق وما سبقه من اتفاقات سابقة، كشف مدير إحدى المدارس الفنية بمحافظة الإسكندرية لمراسل “الحرية والعدالة” أن تطبيق النظام العسكري على المدارس الثانوية الفنية، بمثابة تضييع جديد للعملية التعليمية التي تعاني بالأساس.
وأضاف المصدر -الذي رفض الكشف عن هويته خشية الأجهزة الأمنية- أن من خلال تجربته العملية، فإن المسئولين العسكريين في مدرسته ، يطبقون برامج عسكرية لتعليم الطلاب الضبط والربط العسكري، حيث يذنبون الطلاب في طوابير طويلة المدة، في الشمس والحر، وفي البرد وتحت أمطار الشتاء، بلا مبالاة، ومن يخالف من الطلاب التعليمات العسكرية يقومون بحلق شعره أحيانا، أو يقومون بتزحيفه في أرضية المدرسة، كما يعامل العساكر الطلاب بشدة وقسوة غير معهودة، بل يصل التعدي من قبل العساكر على أولياء الأمور الذين يترددون على المدرسة للشكوى مما يتعرض له أولادهم.
متابعا أن قرارات العسكري مقدمة على قرارات المعلمين والإدارة التعليمية، حيث يهدر العساكر على الطلاب أوقات الحصص الدراسية ويأخذونهم من الفصول الدراسية لتنظيف الأحواش أو مكاتب القائد العسكري.
وقد تدهورت العملية التعليمية ومستويات الطلاب في مدرسته بنسبة غير مسبوقة، وحصد مئات الطلاب الدرجات الدنيا في المواد الدراسية، وظهرت النتيجة برسوب المئات من طلاب مدرسته، إلا أن القرار جاء بإنجاح معظم الطلاب، وتغيير النتيجة لتصبح فوق 95% في صفوف النقل، بقرار عسكري، للحفاظ على هيبة البدلة العسكرية.
ووفق مراقبين فإن العقلية العسكرية لا تتناسب تماما مع المراحل السنية لطلاب المدارس الفنية، حيث تختزل من الكم التعليمي المفترض أن يحصلوا عليه، وهو ما يعد تجهيلا للطلاب.
وغالبا ما يشرف على قوات الدفاع الشعبي ضباطا سابقيين بالقوات المسلحة، لتنفيعهم كي يحصلوا على راتب إضافي بجانب معاشاتهم الشهرية.
فيما تتكلف وزارة التربية والتعليم نفقات إضافية، للفريق العسكري المشرف على كل مدرسة، بينما لا تستطيع مجابهة أو معالجة العجز في أعداد المعلمين وضيق الفصول ونقص الفصول الدراسية، علاوة على عدم توافر الكتب المدرسية التي توقفت طباعتها.
بل تصدر مديريات التربية والتعليم منشورات للمدارس بتغطية العجز في أعداد المعلمين من خلال خريجي الجامعات اللاتي يؤدين الخدمة العامة، أو من خلال التعاقد بالحصة، وهو ما يفاقم الأزمة التعليمية ، إذ إن هؤلاء شابات وشباب حديثي التخرج بلا خبرة وغير مؤهلين للتدريس أساسا، وكل ما يحصلون عليه مجرد مبالغ أقل من تكلفة انتقالهم، ويفتح لهم الباب لإعطاء الدروس الحصوصية للطلاب، لتحصيل دخل لهم، وهو غالبا ما يكون على حساب المدرسة ويحمل أولياء الأمور تكاليف إضافية، كي يتعلم أبناؤهم.
عسكرة من الأسفل للأعلى
وكان عبد الفتاح السيسي قد شهد، في 3 إبريل الماضي، اختبارات المعلمين المتقدمين للالتحاق بوظائف مدنية في وزارة التربية والتعليم، في مقر الكلية الحربية، بحضور وزير الدفاع الفريق محمد زكي، ومدير الأكاديمية العسكرية الفريق أشرف سالم.
وبات الجيش مسؤولا عن تدريب واختبار كل المتقدمين للوظائف العامة في الجهاز الإداري، وإخضاعهم لدورات حول “مقتضيات الأمن القومي”، بناء على تعليمات مباشرة من السيسي، ويبدو أن ذلك يأتي بهدف التأكد من ميولهم السياسية تجاه السلطة الحاكمة، وعدم تسرب أي معارضين لها في جهاز الدولة.
وهكذا يفاقم السيسي مجتمع الجاهلين بمصر، وصولا لمجتمع لا يعرف سوى تمام يا فندم، ينفذ دون أن يعلم، مجتمع بلا عقل أو رأي ، وأجيال لا تعرف سوى بلطحة العساكر ، الذين يريدون أن يخنع لهم المجتمع ككل، دون سؤال أو حساب لما اقترفوه من أخطاء، متجاهلين الكوارث التي تسبب بها العسكر وسيسييهم، سواء في الاقتصاد والديون المتراكمة وانهيار العملة المحلية وغلاء الأسعار ونقص الأدوية وتفشي الأمراض الصحية والاجتماعية والقهر والقمع والقتل خارج إطار القانون، وهذا هو الولاء والانتماء الذي يصبو له السيسي، الولاء للحاكم وليس للوطن.