قبل ساعات من عيد الأضحى، يعود الجدل مجددًا حول طبيعة قرارات مايسمى بالعفو الرئاسي للمنقلب السفاح عبد الفتاح السيسى، والتي تبدو -بحسب حقوقيين ومراقبين- أقرب إلى مكافآت تُمنح لمدانين جنائيين، فيما يُقصى منها السجناء السياسيون وسجناء الرأي، رغم أن القانون والدستور لا يفرقان في النص بين الفئتين.
وفي حين تُقدم السلطة هذه القرارات كخطوة إنسانية أو تقليد متبع في الأعياد والمناسبات الوطنية، فإن محتواها، بحسب ما رصدته منظمات حقوقية، يعكس واقعًا مختلفًا تمامًا. فالغالبية العظمى من المشمولين بالعفو منذ إعادة تفعيله في 2022، كانوا من المحكومين في قضايا جنائية، في مقابل عدد محدود جدًا من السجناء السياسيين الذين أُفرج عنهم، وغالبًا بشروط قاسية أو يعاد اعتقالهم لاحقًا، كما حدث مع الناشط شريف الروبي.
تمييز فج وسياسى
"قرارات العفو في مصر لا تستند إلى أي معايير قانونية واضحة"، يقول الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، موضحًا أن ما يجري هو "إجراء روتيني يُستخدم لأهداف سياسية بحتة، ويتعمد تهميش سجناء الرأي، لا سيما المرتبطين بثورة 25 يناير، التي لا تزال السلطة تُبدي عداءً صريحًا تجاه رموزها ومبادئها".
ويتساءل عيد: "كيف يُعفى عن شخصيات جنائية مثل صبري نخنوخ أو هشام طلعت مصطفى أو عناصر أمنية متورطة في جرائم تعذيب، بينما يُترك صحافيون وأكاديميون ونشطاء قابعين في السجون؟"، معتبرًا أن "هذا التمييز هو إهانة صريحة للدستور والعدالة".
ويُعزز المحامي عصام الإسلامبولي هذا الطرح بقوله إن "العفو الرئاسي تحول من أداة قانونية إلى أداة سياسية بامتياز"، مشيرًا إلى أن السلطة التنفيذية تستخدمها بناءً على تقديرات أمنية، لا قانونية، تحت ذريعة الحفاظ على "الأمن القومي".
"مشخصنة ومسيّسة"
ويرى الحقوقي هيثم أبو خليل، فيذهب أبعد من ذلك، قائلًا إن "الحديث عن معايير هو استخفاف بالعقل"، ويضيف: "نحن أمام نظام لا يتردد في الإفراج عن الآلاف من الجنائيين، بينما يبقي عشرات من أصحاب الرأي خلف القضبان، في عزلة تامة وانتهاكات دائمة، ضمن سياسة ممنهجة هدفها تكميم الأفواه وتدعيم ميليشيات البلطجية لمواجهة أي حراك مستقبلي".
رأي الشارع… "العفو للبلطجية مش للمظلومين"
في جولة ميدانية سريعة، قال أحمد (35 سنة، موظف حكومي): "كل عيد نفس الناس بتطلع، تجار مخدرات وبلطجية، لكن السياسيين، اللي اتهروا جوه السجون، محدش بيبصلهم". أما إيمان (طالبة جامعية)، فرأت أن "العفو ده مش رحمة… ده لعبة سياسية"، وتساءلت: "ليه ما بنشوفش صحفيين زي هشام قاسم أو الناشطين اللي اتسجنوا علشان رأي يخرجوا؟".
رد أمني: "أبعاد أمنية تمنع العفو"
في المقابل، زعم العقيد حاتم صابر، أن "قرارات العفو لا تشمل من صدرت بحقهم أحكام تتعلق بأمن الدولة أو قضايا تمويل أجنبي أو الإرهاب"، معتبرًا أن "السجناء السياسيين، وفقًا للمعلومات الأمنية، قد يشكلون تهديدًا لاستقرار الدولة". لكنه لم يُجب عن سبب الإفراج عن شخصيات جنائية متورطة في العنف والاتجار بالسلاح، مثل صبري نخنوخ.
القانون معلق والسياسة تحكم
الانطباع السائد أن قرارات العفو الرئاسي في مصر فى زمن المنقلب السفيه السيسى لم تعد تستند إلى نصوص الدستور أو روح العدالة، بل إلى حسابات سياسية ضيقة. في دولة يُنظر فيها إلى الخلاف السياسي كجريمة، يبدو أن سجناء الرأي سيبقون في طي النسيان، ما لم تتغير معادلة الحكم القائمة على القمع وتدوير الأزمات.
