بعد بيع السيسي المستشفيات الحكومية.. تصاعد ظاهرة التوتر بين الأطباء والأهالي و النقابة تتدخل

- ‎فيتقارير

رغم إقرار قانون المسئولية الطبية في مارس/آذار الماضي، عادت ظاهرة الاعتداء على الطواقم الطبية والمنشآت الصحية في مصر بزمن المنقلب السيسي لتتصدر المشهد، في انعكاس واضح لأزمة أعمق تعصف بالقطاع الصحي، نتيجة خصخصة المستشفيات الحكومية، وتجاهل تجهيز القائم منها، وغياب الرقابة على جودة الخدمة، ما جعل الطبيب في مرمى غضب الأهالي وتقصير الدولة.

 

وسجّلت محافظة قنا مؤخراً حادثة اعتداء جسدي على طبيب رفض استقبال حالة طارئة داخل عيادته الخاصة، ملتزماً بالبروتوكولات الطبية التي تُلزم بتحويل الحالات الحرجة إلى مستشفيات مجهزة. الحادثة أثارت غضباً واسعاً داخل أوساط الأطباء، وأعادت إلى الأذهان سلسلة من الانتهاكات التي ظلت تتكرر خلال السنوات الأخيرة، دون ردع فعّال من السلطات.

 

انفلات أمني في القطاع الصحي

 

تأتي هذه الاعتداءات في ظل انشغال الأجهزة الأمنية بمهام سياسية لحماية النظام، ما فتح الباب أمام تكرار العنف في المنشآت الصحية، التي تفتقر لأبسط وسائل الحماية. فرغم تغليظ العقوبات القانونية، إلا أن تطبيق القانون يظل غائباً، ما جعل الاعتداء على الأطباء سلوكاً مقلقاً متكرراً، لا سيما في أقسام الطوارئ المكتظة، حيث يتفجر غضب الأهالي على خلفية الإهمال وسوء الخدمة.

وتُظهر الإحصاءات أن 88% من الأطباء في مصر تعرضوا لإساءات لفظية، و42% لاعتداءات جسدية، فيما لم يتجاوز عدد من لجأوا إلى القضاء 14%. وتبيّن أن أغلب الاعتداءات ارتكبها أقارب المرضى، خاصة في أقسام الطوارئ التي تشهد نقصاً حاداً في التجهيزات والكوادر.

 

النقابة تدافع… والدولة تتنصل

 

النقابة العامة للأطباء أصدرت بياناً أعربت فيه عن تضامنها مع الطبيب المعتدى عليه، مؤكدة أن توفير الخدمة الطبية في الحالات الطارئة ليس من مسئولية العيادات الخاصة، بل اختصاص حصري للمستشفيات المؤهلة. واعتبرت النقابة تحميل الطبيب مسئولية خارج سياق الإجراءات الطبية "افتئاتاً على العلم والمنطق".

 

كما طالبت النقابة السلطات بتطبيق العقوبات على المعتدين، محذرة من خطورة غياب الردع، لا سيما في ظل تصاعد حملات التشهير بالأطباء على وسائل التواصل الاجتماعي. وأكدت أنها ستلاحق قانونياً كل من يسيء إلى العاملين في القطاع الطبي.

 

القانون موجود… ولكن!

 

قانون المسئولية الطبية، الذي جاء بعد سنوات من المطالبة به، يُفترض أن يكون أداة لحماية الأطباء وضبط العلاقة بين الطبيب والمريض، عبر تعريف الأخطاء الطبية وتحديد سبل التعويض. إلا أن هذا القانون، وفقاً لنقابة الأطباء، يظل غير فعّال بسبب ضعف آليات تنفيذه، وقلة وعي المواطنين بمضامينه، إلى جانب سيطرة ثقافة لوم الطبيب على كل تقصير، ولو كان سببه الدولة.

 

خصخصة المستشفيات… أزمة عميقة

 

الاعتداءات لم تعد مجرد أحداث فردية، بل هي نتاج مباشر لسياسات حكومية دفعت بالخدمة الصحية إلى الحافة. ففي ظل خصخصة متسارعة للمستشفيات، وتراجع الاستثمار في البنية التحتية الطبية، يواجه المواطنون أزمة حقيقية في الحصول على العلاج، ما يدفعهم للتعبير عن غضبهم في المكان الخطأ، على حساب الأطباء.

 

ويتساءل مراقبون: كيف يمكن لأطباء يعملون في ظروف غير آدمية، دون معدات أو حماية قانونية، أن يقدموا رعاية طبية آمنة؟ وكيف يُلام الطبيب فيما تهدر الدولة موارد الصحة في مشروعات غير إنتاجية، أو توجهها لتعزيز أدوات السيطرة الأمنية؟

 

ثقافة مجتمعية تحتاج إصلاحاً

 

ما لم تُصاحب التشريعات جهودٌ مجتمعية جادة لتغيير ثقافة التعامل مع الأطباء، وتعزيز وعي المواطن بأن الطبيب ليس خصماً بل ضحية مثل المريض، فإن الاعتداءات ستظل تتكرر، ولن يجد الطبيب في نهاية المطاف خياراً سوى الهجرة أو الانسحاب الصامت من المهنة.

القطاع الصحي في مصر ينزف، لا فقط من نقص الأسرة والأجهزة، بل من غياب العدالة، وإلقاء عبء الفشل الحكومي على أكتاف الجنود المجهولين في غرف الطوارئ.