استعرضت ورقة بحثية بعنوان “محمد مرسي: بين الدعوة والرئاسة والمحنة… تجربة الرئيس المنتخب والمشروع المؤجل" ملامح تحليلية وفكرية للرئيس الشهيد محمد مرسي في ذكرى الانقلاب عليه، أعدها "حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية" قالت: إن "الرئيس محمد مرسي لم يرضخ لمطالب العسكر بحل البرلمان أو الانقلاب على الدستور، بل حاول أن يسلك طريقًا توافقيًا، ودعا أكثر من مرة إلى حوار وطني شامل، لكن معظم خصومه قاطعوا الدعوات، في انتظار لحظة الحسم عبر الشارع أو الجيش".
وأضافت أن مرسي واجه منذ اليوم الأول تآمرًا متعدد الرؤوس: أجهزة أمنية وعسكرية ترفض التحول الديمقراطي الحقيقي، وإعلامًا خاصًا مملوكًا لشبكات المال والسلطة القديمة يشن حملة ممنهجة لتشويه الرئيس والمشروع، ونخبًا علمانية وليبرالية انسحبت من معركة الثورة والتحقت بمعسكر الفلول.
وقالت: إن "مرسي رفض ـ رغم التحذيرات ـ التطهير العنيف أو المواجهة الأمنية مع الدولة العميقة، مفضلًا نهجًا إصلاحيًا تدريجيًا يقوم على كسب الوقت وتوسيع قاعدة الشرعية. لكنه دفع ثمن هذه المثالية السياسية، حين تُرك وحيدًا في وجه التآمر، الذي أخذ يتبلور في الميادين والفضائيات، ثم في غرف الجنرالات".
وأشارت إلى أن محنة الدكتور مرسي لم تكن مجرد محنة رئيس معزول، بل كانت محنة مشروع وأمة وهوية، اجتمعت فيها قوى الثورة المضادة المحلية والإقليمية والدولية لتصفية رمزية أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخ مصر الحديث، عبر تصفية رأسها، ورمزها، وقائدها المدني المنتخب.
شهادته في المحاكم… ووصاياه الأخيرة
من داخل قفص الاتهام، لم يكن مرسي يدافع عن نفسه فقط، بل كان يدافع عن روح يناير، وحق الشعوب في اختيار قادتها، وكرامة المصريين، وحرية الأجيال القادمة، وقد حرص على تسجيل وصاياه التاريخية – والتي باتت تُتداول كأدبيات لرمزية القيادة الصامدة – منها:
• رفض أي صفقة مقابل خروجه، أو اعتراف بشرعية الانقلاب.
• التشديد على احترام إرادة الشعب التي عبّرت عنها صناديق الانتخابات.
• تحذيره من محاولات تغيير هوية الدولة المصرية، أو تصفية القضية الفلسطينية.
وفي جلسة محاكمة يوم 17 يونيو 2019، تحدث بصوت واهن، ثم سقط مغشيًا عليه، وترك خلفه سؤالًا مفتوحًا عن سبب وفاته في قاعة محكمة تُسيطر عليها الأجهزة الأمنية، وسط تقارير حقوقية عن الإهمال الطبي المتعمّد، وعزله في ظروف غير إنسانية.
رمزية مرسي في الوعي العربي والإسلامي
ورأت الورقة أن مرسي لم يكن زعيمًا نمطيًا، بل أصبح أيقونة في الوجدان الإسلامي الحديث: نموذج الرئيس الذي لم يساوم، ولم يهرب، ولم يطلب العفو. رجل الدولة الذي تمسك بكرامته في الحكم، وظل على موقفه في السجن، ومات واقفًا على مبدأ، لا على صفقة.
وأضافت أن الشعوب عبّرت عن هذه الرمزية، ففي جنازته الرمزية خرجت صلوات الغائب في تركيا، وماليزيا، وتونس، وغزة، والدوحة، والرباط، وكوالالمبور، وتحوّل قبره البسيط في القاهرة إلى رمز مغلق لجمهورية مغدورة.
كما نعته شخصيات دولية مرموقة، أبرزها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال عنه: “رحل شهيدًا، عاش شريفًا، ومات مظلومًا، وسنظل نذكّر العالم به حتى تعود مصر لأهلها”. ونعاه رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وآلاف العلماء والمفكرين حول العالم، باعتباره أول رئيس عربي يختار أن يدفع ثمن مبادئه حتى الموت.
رسالة لا تموت
وقالت: إن "مرسي ترك ما هو أعظم من الرئاسة، ترك رسالة، رسالة تقول إن طريق الحكم ليس طريق مجد دنيوي، بل طريق كفاح وصبر وثبات، وأن المشروع الإسلامي السياسي، وإن تعثّر أو أخطأ، لا يُقوّم بانقلابات، بل بمراجعة داخلية حقيقية ومنافسة حرة نزيهة".
ونبهت إلى أن مرسي رحل ولكن رمزيته تتجدد مع كل هبة شعبية، وكل مقاومة، وكل دعوة للحرية. فكان بذلك القائد الذي لم يتوّج سلطانه على الأرض، بل في الضمير، والذاكرة، والوعي الجمعي لشعوب تعلّمت أن تدفع ثمن حريتها غاليًا، ولكن تستحقه.
وعن خلاصات في فقه القيادة والتجربة: محمد مرسي بين القيم والممارسة، استعرضت الورقة تجربة الدكتور محمد مرسي، وأهمية تجاوز مجرد التوصيف السياسي لمسار حكمه، والتأمل في المنظور الأعمق: فقه القيادة الإسلامية في زمن الانتقال والاضطراب. لقد كانت فترة رئاسته القصيرة مسرحًا لاختبار نادر لعلاقة الدعوة بالسياسة، والمبدأ بالحكم، والثبات بالتدبير.
1. القيادة من منطلق القيم لا الغلبة
لم يكن الدكتور مرسي قائدًا نفعيًا يسعى للبقاء في السلطة بأي ثمن، بل كان مؤمنًا بأن القيادة وظيفة أخلاقية قبل أن تكون سلطة تنفيذية. ولذلك:
• رفض القتل في الشوارع، رغم ضغوط الأجهزة والأحداث.
• رفض فض اعتصامات المعارضة بالقوة، رغم قدرته الدستورية على ذلك.
• قدم نموذجًا لرئيس يَستدعي النصوص الشرعية في خطاباته، ويتحدث عن حساب الآخرة كما عن حسابات الدولة.
وهذا ما جعله يبدو “ضعيفًا” في نظر بعض خصومه، لكنه في ميزان الأخلاق السياسية الإسلامية كان قائدًا يمارس فقه الإنصاف والإحسان لا فقه البطش والانتقام.
2. مرسي والمشروع الإسلامي: بين الرؤية والواقع
كان مرسي جزءًا من مدرسة الإخوان المسلمين، لكنه مثّل في رئاسته وجهًا أكثر استقلالًا وتأصيلًا سياسيًا. فقد حرص على:
• الدعوة لتطوير الفكر السياسي الإسلامي على أساس المرجعية المقاصدية لا الحزبية التنظيمية.
• دعم المؤسسات المنتخبة (الدستور، البرلمان، الشورى) كمرتكز للشرعية، لا مرجعية الجماعة وحدها.
• إعطاء إشارات مستمرة بأن الحكم هو مرحلة لخدمة الأمة لا لتمكين فئة، بل دعا لائتلافات واسعة تتجاوز الإسلاميين.
ومع ذلك، فقد واجه معضلات عدة: غياب الخبرة المؤسسية، بطء الجهاز الإداري، حصار إعلامي دولي، وتربص داخلي حال دون تنفيذ كثير من الرؤى.
3. أين نجح؟ وأين تعثر؟
ورأت أن النجاحات:
• ترسيخ مدنية الحكم رغم الخلفية الإسلامية.
• مواقف خارجية مستقلة، خاصة تجاه العدوان على غزة، ومؤتمر عدم الانحياز، ورفض التدخل في سوريا وفق الإملاءات.
• ثباته على موقفه رغم عزله، وتقديمه مثالًا للقيادة المؤمنة.
وعن التعثرات فرأت أنها:
• ضعف الإدارة المؤسسية وعدم إنجاز إصلاحات عاجلة في ملفات الاقتصاد والأمن.
• الاعتماد على بعض القيادات ذات الأداء الضعيف.
• عدم القدرة على تفكيك الدولة العميقة أو تحييدها.
لكن من الإنصاف القول إن حجم التآمر عليه، وحدّة الاصطفاف الإقليمي والدولي، جعلت من الرئاسة معركة وجود لا إدارة يومية.
4. مكانته بين الرموز والمفكرين الإسلاميين
وقالت "رغم أن مرسي لم يكن يُعرف قبل 2012 كمفكر كبير، إلا أن تجربته في الحكم ومواقفه اللاحقة، جعلته في مصاف الرموز الإسلامية السياسية المعاصرة، إلى جانب:
• نجم الدين أربكان في تركيا: في التأسيس للمشروع الإسلامي السياسي المدني.
• عبد القادر عودة وسيد قطب: في الربط بين الشريعة والسياسة والدستور.
• راشد الغنوشي: في التفكير الاستراتيجي والفقه الدستوري.
لكن مرسي انفرد بأنه الرئيس المنتخب الوحيد الذي مارس الحكم فعليًا ثم دفع حياته ثمنًا لثباته على الشرعية، ما جعله نموذجًا مركّبًا: قائد سياسي، وشهيد مبدئي، وإنسان بسيط عاش ومات لأمته.
سيرة لم تكتمل، ورسالة لم تُطفأ
وأكدت الورقة أن الدكتور محمد مرسي لم يكن مجرد رئيس حكم عامًا واحدًا، بل كان اختصارًا لتجربة أمةٍ بأكملها وهي تحاول العبور من زمن الاستبداد إلى زمن الحرية، من التبعية إلى السيادة، من الجدران المغلقة إلى أفق المشاركة الشعبية.
وأضافت أت تجربته وُئدت مبكرًا، لكن آثارها لم تُمحَ، وصوته لا يزال يتردد في ضمير الشعوب الباحثة عن الخلاص. لقد غادر الرجل الحياة، لكنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه، لا كقائدٍ انتصر على خصومه، بل كقائدٍ صمد ولم يتنازل، حتى وهو في قفص الاتهام، يُحاكم أمام قضاة الانقلاب في مشهد عبثي كتب فيه صفحات من البطولة المدنية المؤمنة.
وأوصت الورقة على 3 مستويات:
أ. في حق الدكتور مرسي:
1. إطلاق مشروع توثيقي شامل لتجربته، يشمل شهادات زملائه وخصومه، وتحليل خطبه، وقراءة قراراته السياسية من منظور فقهي – استراتيجي.
2. تخليد ذكراه في الوعي العربي والإسلامي، لا بوصفه رئيسًا مخلوعًا، بل رمزًا للشرعية والقيادة الأخلاقية.
3. اعتبار قضيته قضية حرية وكرامة شعب، لا قضية فردية، وربطها بالمسار العام للتحول الديمقراطي في العالم العربي.
ب. للحركات الإسلامية:
1. تحليل تجربة مرسي كأداة للمراجعة لا للمحاكمة، وقراءة إخفاقاتها وسياقاتها بدلًا من تسطيحها أو تبريرها.
2. التأكيد على أهمية العمل المؤسسي والعقل الجماعي، وتجنب الوقوع في أسر الشخصنة أو العفوية السياسية.
3. الموازنة بين الثبات على المبادئ والمرونة في الأداء، في ضوء المتغيرات الدولية والإقليمية.
ج. للنخب والمجتمعات:
1. رفض السردية الانقلابية التي صوّرت مرسي كضعيف أو فاشل، وتفنيدها بالدليل والعقل والتحليل.
2. التمسك بحق الشعوب في اختيار حكامها، ورفض أي وصاية داخلية أو خارجية تُفرض على الإرادة الوطنية.
3. استلهام روح مرسي في التواضع والنزاهة والإيمان بالمشروع لا بالمنصب، بوصفه نموذجًا مختلفًا عن سلوكيات الاستبداد والفساد.
وفي 3 يوليو 2013، اختطف مرسي من قصره دون أي سند قانوني، ودخل في عزلة كاملة عن العالم استمرت سنوات، قاطعًا عن أهله، ومحاميه، وحتى عن متابعة الأخبار. وقد جرى تقديمه لمحاكمات صورية في قضايا ملفقة، أغلبها بني على بلاغات كيدية أو معلومات استخباراتية غير موثقة، من بينها ما سمي بقضية “التخابر مع حماس”، التي تحوّلت لاحقًا إلى عنوان ساخر من العدالة في ظل حكم العسكر.
وخلال جلسات المحاكمة، كان مرسي يصر على تأكيد شرعيته الدستورية، رافضًا الاعتراف بشرعية السلطة الانقلابية. ورغم محاولات إذلاله، لم يتنازل عن وقاره أو نبرة الرجل المؤمن بقضيته. بل أطلق في إحدى جلساته نداءً خالداً: “أنا رئيسكم، وإن بقيت وحدي في هذا المكان، فإن ثباتي نصرٌ لهذه الأمة..
وفي الختام خلصت الورقة إلى أن الرئيس مرسي دفع حياته ثمنًا لصموده على درب الحرية… ولأن الشعوب الحية لا تنسى رموزها، فمن الوفاء للأمة لا للرجل فقط، أن نستدعي تجربته ونحن نعيد بناء أدواتنا، ونرسم خرائط المستقبل في زمن تتجدد فيه معارك التحرر والكرامة.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1190994036405258&set=a.255224829982188